انتهى شهر العسل المؤقت أو الزائف، الذي فرضته المصالح بين الأتراك والروس، وصارت الأمور تصادمية، ووصلت إلى مستوى التصادم بالحديد والنار في شمال سوريا.
وفي حقيقة الأمر؛ فإن الأمر كان متوقَّعًا؛ حيث إن الأصل في الموقف التركي التباعد الكامل عن الموقف الروسي، في الملف السوري برمته، وخصوصًا في نقطتَيْن، إحداهما مثَّلتْ ركنًا ركينًا في الإستراتيجية الروسية في سوريا، وهي ضرورة الإبقاء على الرئيس السوري بشار الأسد، ونظامه والدولة السورية بشكل عام.
النقطة الثانية لدى الروس؛ وكانت بيدقًا مهمًّا في ملاعبة الأتراك واستنزاف أكبر قدر ممكن من التنازلات في مواقفهم في الملف السوري، هي البيدق الكردي.
وفي هذا الصدد؛ لسنا مبالِغين إذا ما قلنا إن السياسة التركية في المنطقة، وليس في سوريا فحسب، في مرحلة ما بعد العام 2014م، عندما بدأ الأكراد في التحرك عسكريًّا في الشمال السوري، من أقصاه الشرقي عند “الحسكة”، وحتى أقصاه الغربي عند “عفرين”؛ قد انبنت على متطلبات التعامل مع الموضوع الكردي.
في هذا الإطار، ومع وضوح خيانة الأمريكيين بحسب توصيف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للأتراك في سابق وعود لهم بضمان سيطرة تركية على المناطق الواقعة في شمال العراق، وشمال سوريا، والتي انتزعتها معاهدة “لوزان” الثانية، في العام 1923م، والتي أنهت الوجود القانوني والجيوسياسي للدولة العثمانية، واعترفت بالجمهورية التركية؛ نقول مع وضوح ذلك؛ فإن الملف الكردي صار هو المحرِّك الرئيسي للسياسات التركية في الحرب السورية.
وحتى قبل فترة قريبة، كانت الأولوية التركية، قد ابتعدت عن منطقة تنحي الرئيس السوري، بشار الأسد، بل وصل الأمر إلى مستوى أن صار أردوغان – بعد بدء عمليتَيْ “الأستانة”، و”سوتشي” الروسيتَيْن – يطلق على الأسد مسمى “الرئيس السوري”، وتراجعت اتهاماته بينما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قبل قريب، إن النظام السوري لم يعد يشكِّل خطرًا على تركيا.
وفي تقديرات مراقبين؛ فإن ذلك كان يعني تراجع أولوية تركية مهمة كانت وراء تدخلها الواسع النطاق في الحرب السورية، قبل سنوات، بل إن هذا التدخل كان هو مفتاح الحرب ذاتها بالتعاون مع حكومات إقليمية، مثل الرياض والدوحة، وهي أولوية إسقاط نظام الأسد.
إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تحولات مفاجئة فعلاً في لغة الخطاب والمواقف الرسمية التركية، بحيث عادت إلى قديمها، باتهام الأسد بالإرهاب، وتأكيدات أردوغان على أنه لا مستقبل للأسد في سوريا ما بعد الحرب، وكان أوضح هذه التأكيدات، ما ذكره أردوغان يوم الجمعة 5 يناير، خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة الفرنسية باريس مع نظيره الفرنسي، إيمانيول ماكرون، عندما أكد أن السياسة الرسمية التركية في الموضوع السوري تستند على ثابت مهم، وهو أنه لا مستقبل للأسد في سوريا، وضرورة إجراء انتخابات نزيهة.
———–
أحمد التلاوي: باحث مصري في شئون التنمية السياسية، وكاتب أساسي في مركز سام للدراسات الإستراتيجية