فجأة انتشر المقاتلون في سوريا والعراق.. يضربون الرقاب ويفجرون الرؤوس لكل من يخالفهم الرأي أو الدين، أو من يرفض مبايعتهم أو الإصغاء إليهم، غير آبهين لتعاليم الدين الإسلامي أو لسورة “الكافرون” التي تحفظ حق الإنسان لحرية الدين والعقيدة.
«داعش» تلك الجماعة التي باتت تعيث في الأرض فسادا بحجة الدين والإسلام.. تنتشر في البلاد العربية كانتشار النار في الهشيم.. تنهب الأموال وتفرض الزكاة والجزية.. فمن هي، ومن يمولها، وما الموقف العربي والعالمي منها، وما هي أهدافها وطموحها.. لماذا تحارب الجيوش العربية دون إسرائيل؟
من هي؟
يقول متخصصون في الشأن الإسلامي إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ولد من رحم معاناة الأنظمة العربية وقمعها للحركات الإسلامية، وهي نتيجة طبيعية للعنف الذي مارسته الحكومات العربية ضدهم يتمثل ذلك في الأحكام الجائرة التي كانت تصدر ضدهم من سجن وإعدام ونفي، فضلا عن الفتاوى العبثية التي يفتي بها العديد من علماء الدين، تسببت كثيرا منها في خلخلة الدين وتعاليم الإسلام، وشكلت ثورات الربيع العربي وتعنت بعض الحكام العرب مرتعا خصبا لانطلاقهم نحو أهدافهم المنشودة في تكوين الدولة الإسلامية بمفهوم عصري.
قوة مضادة
اعتبر أعداء النظام السوريي إن داعش صناعة الرئيس بشار الأسد معددين الأسباب في ذلك، معللين ذلك بأحداث تفجير “درعا” للثورة السورية التي فتحت باب الصراع، واندلاع حربًا أهلية وإعلان الانشقاقات من قبل عناصر في الجيش السوري، وهو ما تسبب في “َضعف النظام” وهو ما جعل النظام السياسي في دمشق البحث عن “المناقض لنقيضه”، ويتمثل بصنيع «داعش» ودعمها وتسليحها بالضد من الجيش العربي السوري الحر.. والهدف هو الحفاظ على جيش النظام من الاستنزاف، وجعل القوى المتضادة على الأرض السورية تستنزف بعضها البعض لصالح النظام، فيما يتفرغ النظام من جهة أخرى لمنع تداعيات تفكك المؤسسة العسكرية، لا حرصاً عليها لأنها ملك الشعب العربي السوري، وليس ملكاً للنظام، التي شهدت موجة من الهروب والانسلاخ والتخلخل والتهاون في تأدية مهمات عسكرية ضد الشعب العربي السوري.
الجيش النظامي السوري بفرقه الأربع أو السبع، وبجاهزيته القتالية لا يستطيع الاستمرار في حرب عصابات أو شوارع في المدن والريف السوري، لا من حيث التشكيل ولا من حيث العقيدة القتالية.. كما أن عملية الاستنزاف في القوات والمعدات والأموال لم يعد النظام السياسي قادراً على تحملها، طالما فرضت المقاومة السورية سياسة الاستنزاف عن طريق الكر والفر واحتلال مواقع والتراجع عنها وإخلائها تبعاً للموقف الذي يشترط مرونة الحركة الثورية وقدرتها على اختيار الفعل العسكري في الزمان والمكان المعينين، لكن هذا الفعل لا يستوعبه عقل.. فكيف لنظام أن يخلف لنفسه مستنقع آخر هو في غنى عنه.
كسر التمدد
والراجح وهو ما يذهب إليه الكثير أن «داعش» صناعة (خليجية)، الهدف منها تكوين خط ثاني من الجيوش العربية لمقارعة الصفويين في سوريا، والحد من خطر التمدد الشيعي السريع في المنطقة وأهمها في العراق التي نفذت أكبر عملية ضد المسلمين السنة في تهجيرهم وتصفيتهم عرقيا، وفي البحرين التي أحبطت السعودية أكثر من محاولة للإبحار مع موجة الربيع العربي، وكذا من خطر الحوثيين في جنوب المملكة العربية السعودية المدعومين من إيران والذين يشكلون هاجسا مقلقا للملكة وتعتبر ذلك التحدي الأكبر لها، في زعزعة أمنها ومملكتها، فرأت أن تكوين جماعة إسلامية هو واجهة مضادة للجماعات المسلحة التي كونتهم إيران كـ«حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن” بحسب ما يقوله حكام المملكة”، وحكومة المالكي في العراق، والغالبية من سكان البحرين والكويت” لكسر تمددهم في المنطقة.
صناعة غربية
أما الرأي الثالث، فيرى العديد من المحللين السياسيين أن الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» أسسها كل من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “CIA” والموساد الإسرائيلي، بمفهومهما عن الدين الإسلامي، الذين يعتبرونه دينا متطرفا إرهابيا يسعى إلى الدمار والخراب، لعدة أسباب منها “زعزعة المنطقة وإشعال الحروب الأهلية فيه ” لخدمة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي وتحقيق أطماعة، ورسم صورة لدى الغرب والعرب والمسلمين من المؤلفة قلوبهم أن الدين الإسلامي دين إرهاب وتطرف، فضلا عن دعم بعض الإعلام في الوطن العربي لمساعدتهم في ذلك كما نجحوا بتجربتهم الأولى في تشويه صورة المقاومة الفلسطينية “حماس” لدى معظم المصريين بدعم إعلامي.
ويعتبر أصحاب هذا الرأي، أن الهدف من ذلك هو استخدام «داعش» من قبل الولايات المتحدة الأمريكية كورقة ضغط وتهديد على الأنظمة العربية وبسط الهيمنة الغربية عليها، فظلا عن سعيهم الحثيث للتواجد الدائم في المنطقة العربية تحت ذريعة محاربة الإرهاب، واستباحة الأرض وخرق السيادة العربية، بعد شعورها بالقلق نتيجة انكشاف أوراقها في المنطقة، وخطر التقارب العربي الروسي عليها.
ربما الفيديو الذي وزع على نطاق واسع في المواقع الإخبارية العربية و “اليوتيوب” لرئيس وكالة المخابرات الأميركية CIA السابق جايمس وولسي James Woolsey يعود لعام 2006 يقول فيه: “سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا ثم نجعلهم يقومون بالثورات فيتم انقسامهم على بعضهم لنعرات تعصبية ومن بعدها قادمون للزحف وسوف ننتصر، هو من يجعلنا نثق أن “داعش” صناعة أمريكية، تعدها إلى يوم لا ينفع الندم، ولا العويل” واستغباء عربي.
غارات أمريكية
دأبت الولايات المتحدة الأمريكية وبعد صمت طويل في تكوين تحالف من قرابة 60 دولة لمحاربة التنيظم، ونفذت هجومًا محدودًا منذ البداية على مسلحي الدولة الإسلامية، مستهدفة الخطوط الأمامية فقط دون أن تجهز على القاعدة الأساسية لتمركزهم في العراق، لكن الضربات “الغير مؤثرة” ما هي إلا تمويها لصرف الاتهامات لها بأن الدولة الإسلامية في العراق والشام صناعة أمريكية إسرائيلية، ويعد كذلك مجرد غطاء لسعيها للتدخل بشكل أوسع في الشئون الداخلية للعراق وربما تسعى للتدخل العسكري في سوريا، و نفس الوقت كدعم غير مباشر لـ”داعش” لتعزيز دوافعها ومبرراتها بأنها تمثل الخصم القوي لأمريكا.
تحرك الولايات المتحدة الأمريكية بتحالفها الستيني وتوجيه الضربات لتنظيم الدولة “المرعب والنقلب فجأة على صانعه”، سببه إخلاء مسلحي الدولة الإسلامية ببنود الاتفاق بينها واشنطن في توسعها نحو الأكراد، وهو ما لم يكن ذلك على التفاهمات بينهما، فالطباخون الماهرون الأمريكيون عينهم على دولة كردية مستقلة، وتمدد التنظيم إليهم يخلط الأوراق، ويفسد المائدة اللذيذة، فضلا عن أن تلك الضربات تعد إعاقة جزئية ومنعهم من الوصول إلى الدولة القادمة.
إسرائيل
الواقع أن إسرائيل، قد تكون هي المرشح الأقوى في صناعة “داعش” وتحويلها إلى صنيعتها من خلال تمويلها ودفع فاتورتها، لأن “أي داعش” رغم انتمائها السابق إلى “القاعدة” التي تذكر في أدبياتها أنها تسعى لمحاربة “إسرائيل” وتحرير “القدس” و”الأقصى”، «رغم أن كل شيء يدل على أن سلوك القاعدة ومن سار على دربها من السلفيين، باتوا يرون أن الطريق إلى القدس ينبغي أن يمر بدمشق»، فإنها “أي داعش” قد تحررت من سطوة “القاعدة”، وبالتالي تخلصت من الالتزام “القاعدي”بمحاربة إسرائيل وتحرير القدس والأقصى، مما يجعلها متناغمة وغير متعارضة مع الأهداف الإسرائيلية، ويرجح وجود الانسجام بين “داعش” وإسرائيل، كون “داعش” تقف أحيانا في “الجولان” وعلى مواقع قريبة من المواقع الإسرائيلية، ومع ذلك فهي تطلق النار على السوريين، وليس على الإسرائيليين المتواجدين أحيانا على بعد مرمى حجر منها.
كما أن بعض الجرحى من “داعش”، غالبا ما ينقلون إلى داخل إسرائيل، وليس لتركيا مثلا، لتلقي العلاج فيها، أضف إلى ذلك ما تردد مؤخرا على لسان مصادر سورية، بوجود ضباط إسرائيليين في سوريا، يخططون ويقودون منظمة “داعش”.
فقد وجدت إسرائيل أنه من الملائم استقدام مقاتلين من المرتزقة، حصرا، للمقاتلة في “سوريا” نيابة عنها، علما بأنها “إسرائيل” ستكون عندئذ في وضع أفضل من وضع “تركيا” و”السعودية” و”قطر”، اللاعبين بشكل رئيسي على الساحة السورية، لأن أولئك يعتمدون على الحدود التركية المفتوحة، لمرور السلاح والمقاتلين إلى سوريا، فإذا ما اضطرت “تركيا” لإغلاق حدودها أمام هؤلاء نتيجة ضغوط دولية، فإن “إسرائيل” تظل في وضع أفضل، لوجود حدود لها مع سورية، تمكنها من المضي قدما في تزويد المؤتمرين بأمرها بالسلاح والرجال.
تفجير الأضرحة
قد يقول قائلا أن تفجير الأضرحة والقبور التي في جوارها مساجد ومزارات، هو عملا بتعاليم الدين الذي يأبى باتخاذ القبور مساجد، غير أن تفجير “داعش” لأضرحة الأنبياء وقطع رؤوس بعض من المسلمين السنة حال اختلافهم معهم، وذبح الشيعة وقتل المواطنين المنتميين لديانات أخرى، مخالفة التعاليم الدينية السمحة، تكشف حقيقتها أنها صناعة إسرائيلية بمفهومها هي عن الإسلامي، فالدين الإسلامي لم يأمر بالقتل الوحشي للأسرى، ولا بتهجير من لهم ديانات أخرى، والمواقف والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة.
حرب استنزاف
وجدتا الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ضالتهما في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وتنفيذ خططها بعد أن فشلت في الاحتلال العسكري المباشر، وستستمر أجهزتها المختلفة بصناعة منظمات جهادية بمفهومها عن الإسلام، لمحاربة العرب والإسلام نيابة عنها، وإبقائهم في دوامة طويلة، لتنفرد إسرائيل وأمريكا بالشرق الأوسط وتسبيح حرماته وأرضه وسيادته كيفما تشاءان، بعد أن استطاعتا بخلق جهاديين يعملون على تدمير الجيوش العربية.
لم يبقى في الوطن العربي جيشا متماسكا غير ثلاثة إلى أربعة جيوش عربية أبرزهم الجيش المصري من بين الجيوش المنهارة لـ20 دولة عربية، ولأن إسرائيل نجحت في تجربتها الأولى بإطلاق سهام الدواعش نحو الجيوش العربية بقتالهم نيابة عنه، ونجحت في أول اختبار عندما أسست جماعات جهادية في سيناء ورفح المصريتن، وأوهمت المصريين بأن تلك الجماعات ما هي إلا جماعات إرهابية تابعة لحركة المقاومة الفلسطينية حماس التي تمتلك أقوى جيشا في الأرض على الإطلاق كما وصفها خبراء عسكريون في الولايات المتحدة الأمريكية تخشاها إسرائيل، فإن الدور القادم على الجيش المصري إن لم يتنبه للفخ الذي تقوم به إسرائيل حاليا.
ستعمل إسرائيل على إيهام “داعش” أن مصر وقفت إلى جانب إسرائيل، في حربها ضد فلسطين، وهو ما بات جليا من خلال الإعلام الإسرائيلي الذي يتحدث عن أن حكومته نجحت في الحرب بأن تجعل مصر في صفها ضد حماس، والأمر برمته له أبعاد خطيرة على الأمن القومي المصري والعربي، ويجب على المصريين العلم أن التصريحات الإسرائيلية فخا من قبل الكيان الصهيوني، وبالتالي فإن “داعش” قد تتمدد من سوريا والعراق ولبنان ومن ثم ليبيا إلى مصر، لتجعل المنطقة العربية كلها تعيش حربا أهلية واستنزاف، وهو ما تسعى إليه إسرائيل لتحقيق أهدافها في التوسع من النيل إلى الفرات، وتعلن عن الدولة الكبرى والعظمى في المنطقة.
———-
الموضوع نشر في شبكة الإعلام العربية «محيط» بتاريخ 12 أغسطس 2014 مع بداية تشكيل التحالف الدولي لمحارب داعش
منقول بتصرف من الكاتب