كانت الأزمة الليبية في الفترة الأخيرة على موعد مع مجموعة من التطورات والتحركات التي تسعى إلى بلورة الاتفاقيات السياسية التي تمت أمام الكاميرات ومن خلفها، بين الشخصيات النافذة في كلٍّ من طرابلس وطبرق، في صورة تحركات على الأرض، تفضي إلى إعادة توحيد ليبيا، وتوحيد مؤسساتها، من خلال توافقات تفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية.
وكان من بين أحدث حلقات ذلك، التحركات التي قام بها الدبلوماسي اللبناني، غسان سلامة، بصفته المعيَّن محل مارتن كوبلر، كمبعوث للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، والتي سبقها اجتماع للجنة الحوار الوطني الليبي في العاصمة التونسية.
جاء هذان الحدثان في أعقاب الدورة السنوية الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك؛ حيث كانت مناسبة مهمة للقاء كبار المسؤولين في المنظمة الدولية، وفي حكومات البلدان المعنية بأزمات الشرق الأوسط، مثل ليبيا واليمن وسوريا.
ولقد تمخضت هذه اللقاءات بالفعل عن طرح عدد من المبادرات والتحركات من جانب الأمم المتحدة سعيًا لحل أزمات المنطقة المستعصية، كما تم في حالة إسماعيل ولد الشيخ بالمبادرة الأممية الرباعية في اليمن، وسلامة في ليبيا.
وفي حقيقة الأمر؛ قد تبدو مهمة سلامة سهلة في ظل كونه يتحرك على أساس بعض القواعد المتفق عليها من جانب أطراف الأزمة في شطرَيْ ليبيا، ولتنفيذ اتفاقيات قاءمة بالفعل، ومن بينها اتفاق الصخيرات، الموقع في المغرب في السابع عشر من ديسمبر 2015م، والاتفاق الذي توصل إليه قائد الجيش الوطني الليبي، اللواء خليفة حفتر، الذي يعتبر رجل شرق ليبيا القوي، والرقم الصعب في المعادلة السياسية والعسكرية على الأرض، ورئيس حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي الليبي، فايز السَّرَّاج، في فرنسا، في الخامس والعشرين من يوليو الماضي.
إلا أن مهمة سلامة ليست بالسهلة، باعتبار حقيقة بسيطة هي المضاعَف المشترك الأكبر في كل أزمات المنطقة، وهي أن هذه الأزمات والحروب؛ إنما هي بالوكالة عن أطراف أخرى إقليمية ودولية نافذة وقادرة، ولها مصالحها، وهي في الأصل التي تبقي الأطراف الليبية الفاعلة على قيد الحياة، وبالتالي؛ فإن موقفها هي هو الأكثر أهمية في هذا كله.
وبالبديهي؛ فإن هذه الأطراف تتعارض في أجنداتها ومصالحها مع بعضها البعض، وبالتالي فهي توجِّه الأطراف الليبية المختلفة نحو الاتجاهات التي تضمن أو تحقق لها هذه المصالح، وبالتالي أيضًا؛ فإنه حتى لو أراد الليبيون الوصول إلى معالجة ما لأزمتهم؛ فإنهم لن يستطيعوا تمريرها من دون موافقة الأطراف الدولية.
وفي هذا الإطار؛ فإن هناك الكثير من العوامل والملابسات التي تشير إلى أن سلامة لن يستطيع فرض الأجندة التي يحملها على كل الأطراف الليبية، وهو ما تناقشه هذه الورقة.