أحمد التلاوي:
تُعتبر الأفكار المتطرفة، الهدَّامة، أحد أهم أسباب وعوامل انهيار المجتمعات وفشل الدولة وفق تصنيفات علماء الاجتماع السياسي والعمران.
ولقد بدأت العديد من مراكز البحوث والتفكير في العالم الغربي والعالم العربي على حدٍ سواء، في دراسة أثر هذه النوعية من الأفكار في تكريس هذه الحالة من الأزمات السياسية والاجتماعية التي نراها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، والتي تتسبب فيها ترسُّخ بعض التيارات الفكرية المتطرفة.
وليست اليمن بدعًا من هذه المجتمعات التي تعاني من تلكم الأزمات، مثلها مثل الكثير من البلدان العربية والإسلامية التي استهدفها مشروع الفوضى الهدامة الأنجلو أمريكي، الذي تشارك فيه قوى إقليمية، رسمية حكومية، وأطراف وجماعات أخرى غير رسمية، ولكن لها نفوذ سياسي واجتماعي، وثقل اقتصادي.
ويعود مبدأ الأمر في أثر هذه الأفكار – أيًّا كانت طبيعتها؛ دينية أو مذهبية أو قومية – في أنها تنهض على أساس واحد، وهو أن مَن يتبنونها، إنما ينظرون إلى المجتمع المحيط بهم نظرة قائمة على التمايز، أي أنهم جماعة متمايزة عما حولهم، وأنهم وحدهم هم حَمَلَة الحقيقة، وأن عليهم واجب نشر أفكارهم هذه بمختلف الوسائل، حتى وإن وصلت إلى انتهاج العنف، وهو ما يحوِّل المجتمعات التي يقيم فيها هؤلاء، إلى منطقة أخرى، وهي ما اصطُلح على تسميته ببؤر التطرف العنيف.
وفي ظل اعتبارات شديدة التعقيد، ترتبط بوجود هؤلاء، ومن بينها سيادة بعض المظالم والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تتحول تدريجيًّا المناطق التي يوجد فيها هؤلاء إلى الانعزال عن المجتمع الأم، قبل أن تسيطر “صفوة” مهيمنة من هؤلاء على هذه المناطق، وتبدأ في التمرد على سلطة الدولة، وعلى المجتمع، وخوض حروب مدمرة مع كليهما.
ولكن ليس كل المجتمعات قابلة لأنْ تعرف هذه الظاهرة في صورتها الأسوأ المشار إليها في الفقرتَيْن السابقتَيْن؛ حيث قد تُوجد فيها بعض عوامل المناعة الاجتماعية والفكرية التي تقيها من هذه الظواهر.
في هذه الحالة؛ يتم – قسرًا – من جانب بعض الأطراف الخارجية، تأسيس هذه الحالة، من خلال منظومة إعلامية واستخبارية، تشمل تهريب السلاح والأفراد الذين يعملون على تحقيق هذه الصور الأسوأ، التي تتحول فيها هذه الأفكار، إلى مظاهر التمرد ضد الدولة والمجتمع.
واليمن واحدةٌ من هذه الدول التي تعرضت إلى هذا المخطط، وتسعى من خلال القوى والرموز الوطنية إلى أن تتفادى الدخول في نفق الدولة الفاشلة أو المجتمع الفاشل، وفق المصطلح السياسي الأكاديمي، والذي يشير إلى عجز الدولة والمجتمع عن القيام بمنظومة الأهداف المنوطة به في صدد تحقيق مصالح المواطنين والمقيمين في هذا البلد.
وفي هذا الإطار، تتناول هذه الورقة سبل مكافحة الأفكار المتطرفة الهدامة، بأشكالها المختلفة، في اليمن، وفي المجال الحيوي لهذا البلد، والذي يشمل مناطق الحزام الجنوبي والجنوبي الغربي للعالم العربي؛ حيث الخانق الأهم للأمن القومي العربي لجهة الجنوب، في خليج عدن ومنطقة القرن الأفريقي.
وتركز الورقة في هذا الصدد على طرحَيْن أساسيَّيْن؛ الأول هو أهمية المبادرات السياسية والمجتمعية في تكوين جبهة ضد المجموعات التي تتبنى الأفكار التكفيرية والمتطرفة، وعزلها في مناطق بعينها، تمهيدًا لإيجاد حلول سياسية ومجتمعية كذلك لها، وإعادة دمجها في المجتمع مرة أخرى، والثاني هو أهمية التعليم، ولاسيما التعليم الأهلي، في مجال مكافحة الفكر المتطرف.
————–
*أحمد التلاوي باحث مصري في شئون التنمية السياسية، وكاتب أساسي في مركز سام للدراسات الاستراتيجية