أحمد التلاوي:
تُشكِّل الحاضنة الاجتماعية ومكوناتها المختلفة، أحد أهم ضمانات السلم الأهلي، والاستقرار داخل أي مجتمع، وخصوصًا في أوقات الأزمات والصراعات، والتي قد تقود إلى إضعاف أو غياب دور الدولة، وعدم قدرة أجهزة إنفاذ القانون على القيام بدورها في فرض القانون وسلطته.
في تلكم الحالة، وبالذات المجتمعات المحافِظة، تكون العادات والتقاليد والمؤسسات العرفية، هي الضمانة الأهم للاستقرار وسلامة العلاقات التبادلية بين الأفراد وبعضهم البعض، وكذلك بين الأفراد والمجتمع.
ويُعتبر المجتمع اليمني، أحد أهم النماذج المهمة للمجتمعات المحافِظة، في عالمنا العربي والإسلامي، والتي لا تزال تلعب فيها العادات والتقاليد والمؤسسات القبلية والعرفية، الدور الأكبر في معالجة المشكلات المجتمعية، مما جعله من أكثر المجتمعات العربية استقرارًا، حتى في أوقات الحروب والأزمات.
ففي مجتمع تشكل القبيلة القسم الأكبر من مكوِّنه؛ فإننا بالتأكيد سوف نجد أننا أمام تأثيرات كبيرة للأعراف، ولسلطة رموز القبائل.
وهو وضع حتى تجاوز الإطار الاجتماعي، إلى الإطار السياسي؛ حيث تُعتبر القبيلة في اليمن، أحد أهم، إن لم تكن أهم كذلك، الفاعلين السياسيين، وهو ما بدا في خلال الأزمة الحالية، والتي تطورت إلى حرب ذات بواعث ومحركات خارجية، إقليمية بالأساس.
ويقول محللون، إن اليمن يمكن أن نطلق عليه “الدولة القبيلة” أو “القبيلة هي الدولة والدولة هي القبيلة”.
وهي معادلة برزت في أفضل صورها، خلال فترة حكم الرئيس السابق، علي عبد الله صالح منذ توليه رئاسة اليمن الشمالي عام 1978م، من جهة، وزعيم قبيلة حاشد، الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، من جهة أخرى، وذلك بعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي عام 1977م، والذي كان يحاول أن يدير شؤون الدولة اليمنية بعيدًا عن مؤسسة القبيلة، وهو ما تفاداه صالح، وأدى إلى استقرار الحكم في اليمن، لسنوات طويلة تالية.
ويقول الشيخ القبلي ورئيس تكتل أحزاب اللقاء المشترك في مأرب مبخوت بن عبود الشريف، إن علاقة الأفراد والقيادة داخل القبيلة هي “علاقة عضوية متماسكة، وتتأثر إذا استأثر شيخ القبيلة بالمزايا لنفسه دون أفراد قبيلته، ليصبح تلقائيًّا مكروهًا بين أفراد قبيلته”.
ومن ثَمَّ؛ فإن كل المؤشرات تشير إلى أن القبلية في اليمن، وبالتالي ما يرتبط بها من منظومة اجتماعية تشمل حاكمية العادات والتقاليد والعُرف، هي مؤسسة فاعلة، ومن المهم تفعيلها خلال الأزمة الراهنة التي تواجه فيها اليمن أكثر من تحدٍّ سياسي وأمني وعسكري على النحو الذي نراه، وهو ما تناقشه هذه الورقة.
————–
*أحمد التلاوي باحث مصري في شئون التنمية السياسية، وكاتب أساسي في مركز سام للدراسات الاستراتيجية