قد يرى البعض في السؤال الذي يتصدر عنوان هذه الورقة غير ذي جدوى؛ حيث إنه، ومنذ فترة، فإنه من المعروف أن الحرب السورية، لم تتحول إلى صراع إقليمي فحسب، وإنما أصبحت كذلك ساحة لصراع القوى العظمى في عالم اليوم، باحثة عن، أو محافظةً على مصالح أمنية وسياسية واقتصادية عدة، تجد في سلوك وتدخلات خصومها في سوريا، تهديدًا لها.
إلا أنه، وفي النهاية؛ فإن أية تدخلات إقليمية ودولية عرفتها الحرب السورية؛ كانت في إطار صراعات الوكالة، ولم تشهد الحرب السورية إلى الآن أية اشتباكات بين القوى المتحاربة على الأرض السورية بشكل مباشر.
وحتى عملية “عفرين” التي بدأها الجيش التركي بمساعدة مرتزقته في الجماعات المسلحة، وفي “الجيش السوري الحر”؛ فإنها تضمنت منظومة من الترتيبات الصارمة، سواء على المستوى الاستخباري والعسكري، أو المستوى الدبلوماسي والسياسي، ما يضمن عدم حدوث أي خلل يؤدي إلى صدام الجيوش النظامية للدول المنخرطة في الحرب السورية، بشل مباشر.
وباستثناء القصف الأمريكي لقاعدة “الشعيرات” الجوية السورية، في السابع من أبريل 2017م، على خلفية الهجوم الكيماوي الذي وقع على “خان شيخون” في حينه؛ فإنه لم تقم أية قوة نظامية مسلحة تتبع دولة بالتعرض لقوات دولة أخرى.
وحتى الهجمات الأمريكية الأخيرة قرب دير الزور، لم تطال قوات سورية نظامية، وإنما قوات حليفة للنظام السوري.
إضافة إلى ذلك؛ تبرز أهمية ما وقع بين إسرائيل وسوريا، وفي المنتصف منهما إيران، في أنه يُعتبر تصعيدًا في ملف ربما يمثل أحد أخطر الملفات الأمنية والسياسية في المنطقة، وهي الحرب الباردة التي تسخُن أحيانًا، ما بين إسرائيل وبين إيران ومحورها في المشرق الإسلامي، والذي يضم سوريا والعراق الآن، بالإضافة إلى مجموعات مسلحة تدين بالولاء للمشروع الإيراني الإقليمي، مثل “حزب الله” اللبناني.
وهذا الملف هو الأخطر بالفعل، ولو اندلع؛ فسوف يعني وصول المنطقة إلى نقطة انفجار كبرى لن ينجو منها أحدٌ في ظل ارتباطها بمختلف الملفات السياسية والأمنية الإقليمية الكبيرة، بما فيها ملف الجماعات المسلحة شبه النظامية، وتصادم الأصوليات الذي يضم كافة الشعوب الموجودة في المشرق العربي الآن، وتعتبر سوريا موطنًا مهمًّا له؛ هذا التصادم.
كما سوف يشهد الإقليم – في ظل الترتيبات الأمنية والسياسية الموضوعة لبقاء ووجود الكيان الصهيوني بين ظهراني أمتنا العربية والإسلامية – تدخلاً عسكريًّا مباشرًا من جانب القوى العظمى، وخصوصًا التحالف الأنجلوساكسوني الإنجيلي الذي يؤمن تمام الإيمان بشكل ديني عَقَدِي، بالمشروع الصهيوني.
ولذلك، وفي ظل الطابع الديني والسياسي الصفري الحاكم لهذا الصراع؛ فإن لو وصل الأمر في هذا الموضوع إلى مستوى الحرب الشاملة؛ فلن يبقى مكانًا واحدًا ينعم بالسلام في المشرق العربي، بما في ذلك منطقة الخليج ذات الأهمية الإستراتيجية العالمية.
وفي هذا الإطار، تحاول هذه الورقة استجلاء واقع الذي جرى في هذا اليوم الاستثنائي، وعلاقته بالتطورات الأخيرة التي جرت في سوريا وارتباطاتها الإقليمية والدولية.
———–
أحمد التلاوي: باحث مصري في شئون التنمية السياسية، وكاتب أساسي في مركز سام للدراسات الإستراتيجية