”.. هذه المناطق غير مشمولة بقرار مجلس الأمن الدولي الجديد”.. هكذا كان وضع ولسان حال عدد من الحكومات والعواصم الفاعلة في الحرب السورية، ولن نقول غداة، بل حتى في لحظة إصدار القرار الذي حمل رقم (2401)، وكانت قد تقدمت به الكويت والسويد، من أجل التوصل إلى هدنة في سوريا، لمدة شهر.
ولعل أهم الأمور التي يكشف عنها هذا الوضع الذي سوف تحاول هذه الورقة استجلاءه، هو مدى التعقيد الذي وصلت إليه الحرب في سوريا، مع تحولها إلى ساحة صراع لمختلف القوى الكبرى إقليميًّا ودوليًّا.
فقد استأنفت القوات الحكومية السورية عمليات القصف على مناطق الغوطة الشرقية المتاخمة للعاصمة دمشق، ويتمركز فيها عشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة السورية المسلحة، في خريطة شديدة التعقيد، تكشف عمق الأزمة، وأنها بلا حلٍّ في الأفق إطلاقًا.
الإيرانيون والروس قالوا بأن القرار لا يشمل الغوطة لأنه توجد فيها فصائل مصنَّفة إرهابية، وعلى وجه الخصوص “هيئة تحرير الشام” التي تشكل “جبهة النصرة” – القاعدة في سوريا سابقًا عمودها الفقري – و”فيلق الرحمن” المتحالف معها، والمدعوم من قطر وتركيا.
وفي حقيقة الأمر؛ فإن القرار حمل معطِّلاته، بل وشهادة وفاته؛ حيث إنه شمل ذات الاستثناءات التي تستند إليها موسكو ودمشق وحلفاؤهما في العمليات العسكرية التي تتم منذ سبتمبر 2015م، وحتى الآن.
فلذلك، لا يبدو من المفهوم سبب إصرار الدول التي أعدت القرار وأصرت على التصويت عليه في مجلس الأمن، على القرار الذي بذلك وُلِد ميتًا!
فبطلب من موسكو، ولأجل تفادي “فيتو” منها يعطل القرار، تم تضمين استثناءات من وقف إطلاق النار، للمعارك ضد تنظيم الدولة “داعش”، و”القاعدة”.
وبطلب من موسكو كذلك، شمل هذا الأمر “أفرادًا آخرين ومجموعات وكيانات ومتعاونين مع “القاعدة” وتنظيم “الدولة الإسلامية” وكذلك مجموعات إرهابية أخرى محددة من مجلس الأمن الدولي”، بحسب ترجمة لوكالة الأنباء الفرنسية لنص القرار.
مصدر الاستغراب الآخر، هو أن القرار في بواعث إعداده كان إنسانيًّا بشكل بحت، من أجل رفع الحصار عن بعض المناطق المأهولة، من بينها الغوطة الشرقية ومخيم “اليرموك”، بلدتَيْ “الفوعا” و”كفريا” ذاتا الغالبية الشيعية.
وبالتالي؛ فقد كان يمكن الاستقرار على الجانب الإنساني، مع تنفيذ مطلب روسيا بأن تشرف دمشق على قوافل الإغاثة الإنسانية، من دون أية تفاصيل سياسية، تمس صلب الحرب التي تصاعدت في الأسابيع الأخيرة، في إدلب، وفي الغوطة.
أما الأتراك، فقد قالوا بأن لديهم اعتبارات أخرى لا تتصل بالحرب الحالية في سوريا، فيما يخص عمليتهم العسكرية في “عفرين”، شمال غرب سوريا، ضد وحدات حماية الشعب الكردي، وبأن قرار مجلس الأمن غير معني بها.
في هذا الإطار، تسعى هذه الورقة لأن تناقش بعض الجوانب المتعلقة ليس بالقرار في حد ذاته، وإنما بحقيقة المشهد في سوريا، والذي تُعتبر الشؤون العسكرية فيه؛ هي الواجهة لا أكثر!
———–
أحمد التلاوي: باحث مصري في شئون التنمية السياسية، وكاتب أساسي في مركز سام للدراسات الإستراتيجية