احتلت الأزمة السورية خلال الأيام الأخيرة، مكانتها في صدارة نشرات الأخبار وأروقة وكالات الاستخبارات ووزارات الخارجية، وكذلك في ردهات المنظمات الإقليمية والدولية.
ولعل البعض قد يقول إن هذا الاهتمام عائد إلى الضربة الثلاثية أو العدوان الثلاثي الجديد الذي قامت به الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على بعض الأهداف العسكرية السورية؛ إلا أن الأمر – بكل تأكيد – أكثر عمقًا من هذه الضربة.
فالحرب في سوريا، تحولت إلى ساحة تقاطعت فيها مصالح وصراعات قوى كبرى إقليميًّا، ودولية عظمى، وباتت مستقطبًا أساسيًّا لهذه الصراعات، وتبادل المكاسب والمصالح بين هذه القوى، ومتنفَّسًا للتوترات القائمة بين القوى النووية في عالم اليوم، للحؤول دون أن تتدهور الأوضاع إلى مواجهات مباشرة بين هذه القوى.
وتأتي الضربة الثلاثية الأنجلو أمريكية الفرنسية على سوريا فجر السبت الرابع عشر من أبريل على سوريا كنقطة غليان كادت أن تقود في تضاعيفها إلى أن يفيض البركان وينسكب الماء الحار واللافا الساخنة، على جوانب الجبل المختلفة، ويكتسح كل ما أمامه، من دون أي تمييز.
وخلال الساعات التي سبقت الضربة؛ فإن التحليلات والتقديرات السياسية حارت بالفعل في مسألة تحديد ما إذا كانت الضربة سوف تحدث أم لا، في ظل موقف روسي بدا حاسمًا في تحذيره من وقوع مثل هكذا ضربة، وما هو مستوى الضربة.
ثم تحولت جبهة النقاشات بعد حدوث الضربة بالفعل، إلى تناول نقطة شديدة الأهمية، وهي نقطة الأثر، وتحديد الطرف المنتصر والأسباب التي قادت إلى خفض الأطراف التي قررت توجيه الضربة، لسقف أهدافها ومدى الضربة.
إلا أن هناك ما يشبه “إجماع العلماء” فيما يتعلق بأن الحرب في سوريا، إنما هي أكبر من مساحة الدولة الجيوسياسية المعروفة باسم سوريا، وأن الضربة تتصل بقضايا أخرى خارج حدود سوريا والشرق الأوسط بالكامل.
وحتى داخل حدود الشرق الأوسط؛ فإن الأمور لا تتصل بسوريا وحدها؛ حيث تتواجد إيران كهدف في خلفية الصورة، في نوايا وذهنية صانع القرار الأمريكي والإسرائيلي على وجه الخصوص.
وبالتالي فإن المرحلة المقبلة سوف تشهد الكثير من التطورات على خلفية ما جرى في سوريا، والذي وإن لم يستغرق أكثر من خمسين دقيقة؛ إلا أنه مثل بالفعل نقطة تحول في صراع القوى الذي يشهده منذ سنوات، بعد عودة روسيا إلى الحلبة ودخول الصين والاتحاد الأوروبي وقوى أخرى طامحة إلى الحلبة.
وفي هذا الإطار، سوف تحاول هذه الورقة أن تسبر غور الخلفية الحقيقية للضربة التي وقعت على سوريا، والعامل الصهيوني فيها، وموضع إيران منها، ومآلات الوضع بعد تعقد الأزمة بين روسيا والغرب، ودخولها إلى نفق مظلم، سوف يكون طويلاً بكل تأكيد على سوريا، في ظل تضاعيف الموقف التركي من التطورات الأخيرة برمتها في سوريا.