يقترح التقرير النهائي لمجموعة عمل إستراتيجية الشرق الأوسط، والتي ترأسها كلاً من مادلين أولبرايت وستيفن هادلي، تحول في الكيفية التي يتفاعل بها كلاً من المجتمع الدولي والشرق الأوسط.
التقرير لا يقترح فقط طرقاً للمضي قدماً فيما يتعلق بالأزمات الحالية في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ولكنه أيضاً يضع إستراتيجية براجماتية وقابلة للتنفيذ طويلة الأمد، تركز على مواهب وتطلعات شعوب الشرق الأوسط أنفسهم، مع وضع عين على احتضان وتنمية الإمكانيات البشرية الهائلة في الإقليم.
هذا التقرير هو تراكم لعمل امتد لقرابة العامين من جانب مجموعة عمل إستراتيجية الشرق الأوسط، والذي اشتمل على نشر خمس تقارير لمجموعات العمل الفرعية، وتسع فاعليات عامة، وأربعين حلقة نقاش مغلقة، ومشاورات مكثفة في تونس والقاهرة وعمان والرياض وأبو ظبي والقدس ورام الله.
عن مجموعة عمل إستراتيجية الشرق الأوسط: تحت القيادة المشتركة لكل من وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت ومستشار الأمن القومي السابق ستيفن هادلي، أسس المجلس الأطلنطي مجموعة عمل إستراتيجية الشرق الأوسط في فبراير 2015 لمناقشة القضايا الكامنة وراء فشل الدولة والشرعية السياسية التي تدفع إلى المتطرف العنيف، وتهدد المصالح الرئيسية المشتركة على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط وبقية العالم.
ملخص تنفيذي
لا يعد الشرق الأوسط مداناً بسبب دائرة الصراع المنهكة، ولا يوجد شيء محتوم أو لا يمكن حله حول ما تعانيه دول المنطقة اليوم.
ومع ذلك، فإن الواقع الحالي واضح بشكل مقلق ويتمثل في أزمة عالمية تنطلق من الشرق الأوسط، تهز معظم أنحاء المنطقة بسبب العنف وعدم الاستقرار، في حين يظهر هذا التهديد وواقع الإرهاب والاضطراب فيما هو أبعد من ذلك؛ وبينما يعد ذاك التهديد وذاك الواقع واضحين، إلا أن هذا التقرير بمثابة أمل في مستقبل أفضل، ولا يزال هناك فرصاً في الشرق الأوسط، وليس تحديات فقط.
ولتكون قادراً على تسخير هذه الفرص، فمن الضروري تغيير المسار السياسي للمنطقة من فشل الدولة والحرب الأهلية، نحو نظام مستقر وسلمي لدول ذات سيادة؛ وغنى عن القول أن دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط لديها المصلحة الأكبر فيما يحدث هناك، إلا أن الولايات المتحدة أيضاً لديها مصالح حيوية تؤثر على كل من حياة ومعيشة الأمريكيين وأسرهم، مثل حماية المواطنين من الإرهاب وحماية الاقتصاد الأمريكي وتمكين الأصدقاء والحلفاء، وتمكين العمليات العسكرية الأمريكية العالمية، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتجنب الكوارث الإنسانية المزعزعة للاستقرار.
ويتطلب تقدم المصالح الأمريكية أكثر بكثير من مجرد استراتيجية أمريكية أحادية الجانب، ولا يمكن للأطراف الخارجية إصلاح ما تعانيه منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكنهم أيضاً تجنب عواقبه العالمية عبر مزيج من الدفاع وفك الارتباط والاحتواء؛ فالأزمة الحالية في الشرق الأوسط لا يمكن احتواؤوها، بينما تعتبر الانعزالية وهماً خطيراً.
نهج استراتيجي جديد بقيادة المنطقة
ما نقترحه هنا هو نهج استراتيجي جديد يؤكد على الشراكة، وبموجب هذا النهج الجديد، يجب على قادة وشعوب المنطقة أن يتحملوا المسؤولية الكاملة عن رسم رؤية إيجابية جديدة لمجتمعاتهم، وفي الوقت نفسه، تعمل الأطراف الخارجية، مثل الولايات المتحدة، على المساعدة في حل الصراعات العنيفة، التي تقف حالياً في طريق تحقيق أي رؤية للمنطقة.
ويعد هذا النهج الجديد بمثابة رهان على شعوب المنطقة، فالشراكة التي نتصورها تمد يدها إلى مجموعة كاملة من الجهات الإقليمية الفاعلة، وليس إلى الحكومات فقط، فالشباب والنساء والقطاع الخاص والجماعات المدنية المحلية ورجال الأعمال وفاعلي الخير والمربين والمواطنين جميعهم لديهم دوراً ليؤدوه، والمطلوب هو نهج جامع للمنطقة.
وينص النهج الاستراتيجي الجديد على أجندة عمل من شقين، ينفذا معاً؛ وستأخذ القوى الخارجية زمام المبادرة جنباً إلى جنب مع الجهات الفاعلة الإقليمية في الحد من الحروب الأهلية والتخفيف من المعاناة الإنسانية، وكذلك التخلص من وجود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في الأراضي التي استولى عليها. وفي الوقت نفسه، ستعمل الجهات الإقليمية الفاعلة، بدعم من قوى خارجية على استغلال الثروة البشرية غير المستغلة إلى حد كبير، وبالأخص المواهب البشرية غير المستغلة من الشباب والنساء.
ويمثل هذا التقسيم المكمل للجهود بين الجهات الفاعلة الخارجية والداخلية ميثاقاً لمنطقة الشرق الأوسط، وهو يلغي الافتراضات القديمة بأن البلدان والشعوب يجب أن يختاروا ما بين الأمن ومجتمعات أكثر انفتاحاً. وتتخذ البلدان في المنطقة مزيداً من الخطوات لتحسين حكمها وحياة شعوبها، حيث كلما زادت شرعيتها، كلما توقعت مزيداً من الدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ومن شركائها عبر الأطلنطي.
يتطلب الشق الأول، مع تركيزه على القضايا الأمنية من أعلى إلى أسفل، جهداً كبيراً من قبل القوى الخارجية في التعاون الكامل مع تلك الجهات الإقليمية الفاعلة، الراغبة في المشاركة في هذا الميثاق؛ وبالرغم من كون المهام المطلوبة شاقة، إلا أنها قابلة للتنفيذ، وهي تبدأ بدول المنطقة الأربعة الغارقة في الصراع الأهلي.
- في سوريا، توفر الانتهاكات الإنسانية لنظام الأسد بيئة مناسبة للتجنيد في داعش؛ ويجب الحد من هذه الانتهاكات –عسكرياً إذا لزم الأمر- ومن المحتمل أن يثبت العمل العسكري ضروريته، ويجب تعزيز قوى المعارضة لحماية المدنيين من نظام قاتل وقتال تنظيم داعش والقاعدة، وذلك بدعم خارجي متنامي؛ ويجب الإسراع في هزيمة تنظيم داعش في سوريا، والبدء في عملية المصالحة وإعادة إعمار البلد المدمر؛ وكذلك يجب استخدام الجهد العسكري الداعم كوسيلة ضغط لدفع النظام وداعميه الخارجيين باتجاه الحل السياسي. وسيدعم عنصر حيوي لهذا الحل الجهود المبذولة من الأقل على الأعلى، حيث سيتم إشراك المجموعات المدنية المحلية والسوريين، الذين اضطروا ليحكموا أنفسهم على المستويات المحلية بسبب انهيار الدولة. وإذا كان على البلد البقاء ككيان واحد، فإنه يتوجب على الحكومة السورية المعاد تشكيلها توفير المزيد من الحكم الذاتي والموارد، التي تمكن المحافظات والحكومات المحلية من تحمل مسئولية أكبر تجاه مواطنيها، وإعطائهم حرية أعظم لتقرير مستقبل بلادهم. وهذا هو نموذج جديد للحكم الوطني، والذي يعد ذو أهمية، ليس فقط للدول الخارجة من حرب أهلية، ولكن أيضاً لدول المنطقة التي تسعى لتعزيز شرعيتها، ولمزيد من الدعم لشعوبها.
- في العراق، يجب على الجيش الوطني – مع الدعم الكامل من الفاعلين الخارجيين- أن يتولى زمام المبادرة في هزيمة تنظيم داعش، حيث ربما يؤدي ترك هذه المهمة للميليشيات الشيعية إلى تسريع دوامة السقوط في العراق، فيجب أن تركز الحكومة العراقية مرة أخرى، مع الدعم الخارجي القوي والتشجيع، على المصالحة وتحقيق الاستقرار. وسيستلزم هذا الأمر تلبية الاحتياجات الإنسانية، والتغلب على التوترات الطائفية، واستعادة الحكم المدني الفعال، وتحفيز الانتعاش الاقتصادي في المناطق المحررة. ويعتمد بقاء العراق كدولة واحدة إلى حد كبير على النظر للحكومة باعتبارها ضامناً أكثر مصداقية للمصالح العربية السنية من تنظيم داعش. وسوف يتطلب أيضاً، كما في حالة سوريا، نموذجاً جديداً للحكم، يوفر استقلالاً متزايداً وموارداً للمحافظات والحكومات المحلية؛ ويتوجب على الجهات الفاعلة الخارجية الضغط على الحكومة في بغداد وحكومة إقليم كردستان لحل الخلافات بينهما؛ كما يجب أيضا التصدي للفساد المستشري، ويمكن لسلطة الحكم المحلي أن تقدم مرة أخرى جزءاً رئيسياً من الحل، جنباً إلى جنب مع الدعم القوي للقادة الذين وضعوا أنفسهم في خطر شخصي، من أجل مواجهة الفساد والمصالح الخاصة.
- في ليبيا، يفرض التاريخ دوراً قيادياً على شركائنا الأوروبيين؛ ومع ذلك، سوف يُتطلب من القيادة الأمريكية دفع أوروبا المنقسمة حالياً وحشد الفاعلين الخارجيين- بما فيهم العديدين من الشرق الأوسط– لتوفير دعماً موحداً لحكومة الوفاق الوطني، بدلاً من توفيره للفصائل الإقليمية.
- في اليمن، يجب على الأطراف الخارجية الفاعلة إقناع المملكة العربية السعودية بإعطاء الأولوية لحل سياسي للصراع. وفي الوقت نفسه، يجب أن تتوقف العمليات العسكرية الحوثية قرب وعبر الحدود السعودية. فمثل سوريا، أصبح اليمن كارثة إنسانية، تتطلب جهود التخفيف من الخارج ومن الفاعلين الإقليميين على حد سواء، ويجب كذلك أن تستمر هناك جهود مكافحة الإرهاب ضد فرع تنظيم القاعدة.وسوف يتطلب العمل على الحد من الحروب الأهلية عزيمة قوية، ولكن يجب أيضا أن يتعامل الشق الأول من هذه الاستراتيجية مع عدد من المهام الأخرى.في انتظار تطبيق حل دولتين مستقر ومستدام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث يجب أن تستمر مهمة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية، بل ويتم تسريعها، إلى جانب تشجيع إسرائيل على تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني مع السلطة الفلسطينية.
- تتطلب التغيرات السياسية في تركيا بالتوازي مع المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة حواراً استراتيجياً أكثر قوة بين أنقرة وواشنطن؛ ويعتبر هذا الأمر بالغ الأهمية، ليس فقط لمعالجة المسائل ذات الاهتمام المشترك، مثل تدفقات اللاجئين وتنظيم داعش ونظام الأسد، ولكن أيضاً لحل القضايا الراهنة في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا، بما في ذلك العلاقات مع الأكرد السوريين.
- يجب ردع التدخل الإيراني في العالم العربي، حتى في الوقت الذي يتم فيه إشراك طهران بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك (مثل الإتفاق النووي عام 2015). ويجب أن يطمئن أصدقاء الولايات المتحدة وشركاؤها إلى أن الولايات المتحدة تعارض الهيمنة الإيرانية، وأنها ستعمل معهم لمنع ذلك.يجب أن يتحرك الدعم للاجئين من توفير الاحتياجات الأساسية نحو دعم دمجهم الاقتصادي في البلدان المضيفة، وتمكين قدرتهم على العودة إلى ديارهم؛ وتحتاج المنطقة إلى نهج مختلف تجاه مساعدة ودعم اللاجئين والنازحين داخلياً، حيث يعتبر البالغون غير القادرين على تجميع المدخرات، والأطفال غير المنتسبين في التعليم هم الأقل احتمالاً للعودة إلى أوطانهم وإعادة بنائها. وتعتبر تلك الدول التي تحمل العبء الأكبر من نزوح اللاجئين مثل الأردن ولبنان وتركيا جديرة بالمساعدة القوية والمستدامة؛ فتعاطفهم ودعمهم للاجئين السوريين هو في الصالح العام العالمي. ومع ذلك، فإن الأعباء ثقيلة، وتحتاج إلى المساعدة الخلاقة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تساعد المدفوعات النقدية للاجئين بدلاً من المساعدات العينية على تحفيز الاقتصادات المحلية، والتخفيف من الاستياء على المستوى المحلي. وخلافاً للمعتقدات الشعبية القائمة، فإن منح اللاجئين الإجازة القانونية للعمل في الاقتصادات المحلية، يمكن أن يؤتي بفوائد ضخمة لقاعدة الضرائب المحلية، وينتج نمواً اقتصادياً عاماً.
تنفيذ الشق الثاني: إطلاق الإمكانات البشرية والاقتصادية في المنطقة
يؤكد الشق الثاني من المقاربة الاستراتيجية الجديدة على التحول السياسي والاقتصادي، ويتطلب إصلاحات عميقة للدول في المنطقة؛ وهي مهام صعبة تتطلب تشجيعاً قوياً من القوى الخارجية الداعمة، والآن إذا لم تتحرك الدول الإقليمية بحزم نحو عقد اجتماعي عصري، والذي يُمَكن بدوره المواطنين ويكرس المساءلة، فإن الاستثمار الذي يتم القيام به في رأس المال البشري في المنطقة لن يؤتي ثماره، كما من الضروري ترسيخ العديد من الخطوات المترابطة لمثل هذا العقد الاجتماعي العصري.
- الخطوة الأكثر أهمية هي تطوير رأس المال البشري في المنطقة – بما في ذلك الشباب والنساء- وذلك لضمان أن يكون التغيير مستداماً؛ والتعليم هو مفتاح للحل، فلابد من القيام باستثمار استراتيجي في تعليم جيد مناسب للقرن الحادي والعشرين؛ وتتطلب المؤسسات التعليمية القائمة، في كثير من الحالات، إصلاح شامل، مع المشاركة الكاملة للطلاب وأوؤلياء الأمور في جهود الإصلاح التربوي. وبالفعل، ينبغي إعطاء المحليات دوراً أكبر في تحديد الأولويات التعليمية على حساب البيروقراطيات المركزية الكبيرة. فالتدخلات المستهدفة والمعلمون المعدون جيداً، والاستخدام المدروس للتكنولوجيا، وبرامج التبادل، وزيادة الارتباط بجامعات الفنون الحرة على الطريقة الأمريكية المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة كلها أمور ضرورية. ومن المهم أيضاً تطوير برامج قوية للتدريب المهني، والتعرف على الاحتياجات الواقعية لسوق العمل.
- وإحدى المهام المتعلقة بهذا الأمر هي دعم وتسهيل الإصلاحات التنظيمية لتخفيف القيود، من أجل تحقيق أكبر قدر من التجارة والاستثمار والتكامل الاقتصادي، مع التركيز بشكل خاص على أصحاب المشاريع؛ وهذا يضمن أن يجد المواطنين المتعلمين فرصة بمجرد استكمال دراستهم. ولا ينبغي أن تكون الحكومات بمثابة عقبات أمام الإبداع الاقتصادي، فالبيئة القانونية والتنظيمية التي تمكن ريادة الأعمال من الازدهار وإيجاد “نظام إيكولوجي للابتكار” ضرورية، وكذلك تعد بمثابة حماية وحوافز للاستثمار الأجنبي المباشر. ويعد أيضاً تحويل الإعانات المالية إلى مساعدات موجهة للفقراء، وإيجاد بنوك مركزية مستقلة ومتمكنة من الأمور ذات الأهمية الحيوية. كما ينبغي أيضاً خفض الحواجز التجارية وإزالتها في نهاية المطاف. فتونس – وهي رائدة في الاصلاحات السياسية بعد الربيع العربي، وتكون بطرق عديدة دليلاً لاتجاهات المنطقة- لا يجب السماح بفشلها اقتصادياً.
- يتوجب على الحكومات تمكين وتحفيز مشاركة المواطنين في حل المشكلات المدنية. ويعني هذا إعطاء مساحة للأنشطة المدنية، وتشجيع وتمكين الجماعات المدنية المحلية وأصحاب المشاريع الاجتماعية، وخصوصاً النساء والشباب ليكونوا منتجين ومبتكرين. ويعني هذا تدريب المهارات والمبادرات المدنية والحوارات العامة، التي تساعد على خلق مجتمعات أكثر مرونة وحيوية، وهو ما يعني كذلك تشجيع وتمكين المرأة للعب دور أكبر في الحياة الاقتصادية والعامة، وهذا يعني بناء قنوات اتصال بين الجماعات المدنية المحلية والحكومات.الحكم الرشيد – وخاصةً الحكومات المحلية المتمكنة والمزودة بإمكانيات جيدة – يجب أن يكون أولوية. فتوفير الأمن في مواجهة الإرهاب، دون المساس بحقوق المواطنين ليس بالمهمة السهلة، ولكنه شرط أساسي لهزيمة التهديد الإرهابي؛ وينبغي اقتلاع جذور الفساد، وتبسيط تقديم الخدمات الأساسية، وتحقيق احترافية الأجهزة الأمنية. كما يتوجب تمكين الحكومات المحلية لحل المشكلات المحلية، وينبغي على البلدان تطوير معايير الإصلاح الخاصة بها. وفي كل هذا، فالتشجيع والدعم من الخارج هامان للغاية؛ لكن المبادرة من داخل المنطقة إلزامية.
- يمكن أن تستفيد منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير من الإطار الإقليمي للحوار والتعاون؛ ويشمل هذا الإطار القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية. وربما يتجاوز التفويضات المحدودة وعضوية المنظمات القائمة مثل الجامعة العربية، التي تستثني أطراف إقليمية فاعلة هامة مثل تركيا وإيران وإسرائيل. ويمكن لمثل هذا الإطار أن يساعد على إخماد الصراعات وتشجيع التعاون، ووضع معايير متفق عليها لتصرفات الدولة، وتحفيز ودعم الخطوات الإيجابية من جانب الدول في المنطقة. ويمكن أن يعبر هذا الميثاق عن المبادئ الأساسية، كما يمكن وضع آلية لتشجيع الامتثال للمعايير المتفق عليها. وقد يساعد هذا الإطار في الحد من الحروب الأهلية وربما يؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاء المواجهة السعودية الإيرانية. ومن شأنه أن يساعد على إنشاء والحفاظ على نظام إقليمي أكثر استقراراً بين الدول، حتى يمكن أن يصبح محركاً للدفع بقضية السلام العربي الإسرائيلي.ستطيع الشرق الأوسط أيضاً أن يجني أرباحاً هائلة من إنشاء صندوق التنمية الإقليمية لإعادة الإعمار والإصلاح. ويعد غياب مثل هذه المؤسسة- التي من شأنها أن تشمل المشاركة من داخل وخارج المنطقة – أمراً ملحوظاً، وينبغي على الدول الإقليمية اقتراح وتصميم وتمويل مثل هذا الصندوق، وتحفيز المجتمع الدولي لتقديم مساهمات ملائمة. ويمكن للصندوق، في ممارساته الإقراضية، تشجيع ودفع عجلة تنمية القطاع الخاص، ويمكن الاعتماد على نماذج مؤسسات التنمية الإقليمية الأخرى مثل البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، فهو يمكن أن يدعم الأعمال والمشاريع التعاونية التي تخرج من الإطار الإقليمي. والحكومات التي تقوم بإتخاذ الخطوات الموضحة في الشق الثاني من الاستراتيجية سيمكنها الحصول على التمويل والدعم التقني. وبالفعل، فإن الصندوق والمؤسسات الشريكة ستدعم جميع الجهات الفاعلة، بما فيها الحكومات المحلية والشركات الخاصة والجماعات المدنية ورجال الأعمال وأصحاب المشاريع الاجتماعية، وكذلك المواطنين المُمَكنين.
الاختيار
لقد حاولنا أن نلقي نظرة واضحة على المشهد الإقليمي، ونحن ندرك أن الظروف تختلف اختلافاً كبيراً عبر المنطقة، ونفهم أن العديد من دول المنطقة تجد نفسها في أوضاع مختلفة جداً، فلا يوجد نموذج واحد للمنطقة، وبالتأكيد لا يوجد نموذج واحد مصمم من قبل الأطراف الخارجية.
والآن ما سمعناه من المنطقة يشير إلى وجود مجموعة مشتركة من المبادئ والاستراتيجيات، التي يمكن أن تساعد جميع دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط على إدارة الخلافات بسبب الانقسامات القبلية والطائفية والدينية، وبناء السلام والترابط الاجتماعي، وإيجاد العقد الاجتماعي للقرن الحادي والعشرين بين الحكومة والشعب، وتعزيز الشرعية الحكومية، ومنع الصراعات من التصاعد إلى العنف. وقد حاولنا التقاط هذه المبادئ والاستراتيجيات وإبرازها في هذا التقرير، وإظهار كيف يمكن تنفيذها وتطبيقها في حالات محددة على نحو فعال وبمرور الوقت.
ويراهن هذا التقرير على شعوب الشرق الأوسط – تلك الشعوب التي تكافح ضد البطالة والبطالة المقنعة والعمالة غير الكافية والبخس بها – التي تكون أبعد ما يكون عن الفوز المؤكد، إلا أن أيام قيام القوى الخارجية بمحاولة تدبير وحتى إملاء الواقع السياسي في المنطقة قد انتهت. وكذلك النظام السياسي الإقليمي للحكومات التي تطلب الطاعة مقابل العمل في القطاع العام وهيئات الدولة ذات الصلة؛ والمطلوب من زعماء الشرق الأوسط شاقٌ جداً، وبالتالي يجب على الجهات الخارجية أن تكون قوية في دعمها وتشجيعها؛ ولكن الخيار واضح: وضع أساس لنظام جديد للشرعية السياسية، أو الاستسلام للأزمة التي لا تنتهي، ولعدم الاستقرار والإرهاب. فإما تمكين المواطنين أو مشاهدة السلطة تؤول إلى أيدي المجرمين والإرهابيين.
هذا التقرير يرسم – رغم التحديات – مساراً واضحاً لشعوب الشرق الأوسط لبناء مستقبل جديد يحول منطقتهم من مرتعاً لعدم الاستقرار والعنف إلى مجتمع للدول مستقر ومزدهر. ولا يوجد شئ في أو حول الشرق الأوسط مدان بالفشل، أو لم تتغلب عليه المناطق الأخرى. فأطروحة الصراعات القديمة المستعصية المتجذرة في الدين والعرق هي على النحو الخاطئ في الشرق الأوسط كما كانت في أوروبا. وعلى العكس من ذلك، هناك الكثير في المنطقة – وابتداءاً بشعوبها – ما يوحي بالأمل، لكن الأمل كاستراتيجية ليس أكثر من كونه تعبير ساخر؛ فالنهج الاستراتيجي الجديد الذي نقترحه يمكن، إذا تم تنفيذه، أن يوفر وسيلة للخروج من الصراع الحالي.
رسالة من رئيسي المجموعة
يشهد الشرق الأوسط منذ قرن من الزمان انهيار للنظام السياسي، وصراع غير مسبوق على السلطة داخل وبين الدول، وصعود للعناصر المتطرفة التي تحصد حصيلة كبيرة من الخسائر الفادحة؛ ولكن في الوقت نفسه، تتطور أجزاء من المنطقة بسرعة كبيرة، حيث تسعى لتوفير فرص أفضل لشبابها، وتختبر القيام بأدوار أكثر فعالية في الشرق الأوسط والعالم.
وهذه التطورات، سواء كانت إيجابية أم سلبية، لها انعكاسات عميقة ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا وبقية العالم. وهذا هو السبب في أننا، تحت رعاية المجلس الأطلنطي، قد أسسنا مجموعة عمل استراتيجية الشرق الأوسط في فبراير 2015.
ويأخذ هذا التقرير خطوة إلى الوراء من النقاش السياسي الحالي، ويسعى إلى تجاوز النهج المشتعل لمشكلات المنطقة؛ ويسعى كذلك لفهم القوى المعقدة التي تُشكل الشرق الأوسط اليوم، واقتراح كيف يمكن للشركاء المحليين والإقليميين والدوليين العمل معاً على وضع المنطقة كلها – ليست فقط هذه البلدان المنخرطة في الحرب الأهلية- على مسار أكثر إيجابية على المدى الطويل.
وفي جوهره، فإن هذا التقرير ليس حول وضع استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، حتى لو كانت الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية والقدرة على إصلاح العلل التي تعاني منها المنطقة. فبدلاً من ذلك، يعد التقرير بمثابة محاولة لوضع استراتيجية للمنطقة، والتي تكون مستوحاة إلى حد كبير من المنطقة نفسها، ويجب أن تتولى حكومات وشعوب المنطقة زمام المبادرة في تنفيذ هذه الإستراتيجية إذا أريد لها النجاح. ولكن الولايات المتحدة وأصحاب المصالح الخارجيين يمكنهم المساعدة، ونحن نقدم اقتراحات عن كيفية تقديم أفضل دعم وتمكينهم من تسهيل جهودهم. ونحن نعتقد أن القيام بذلك يعد بمثابة مصلحة كبيرة للأمن القومي الأمريكي.
ويختلف نهجنا في هذا المشروع عن الجهود الأخرى من هذا النوع، لقد أدركنا سريعاً أن التركيز الحصري على القضايا الأمنية لا يكفي، بينما ترتبط التحديات الأمنية في المنطقة ارتباطاً وثيقاً بالقضايا الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية. لذلك قمنا بتنظيم خمس مجموعات عمل متخصصة، والتي تتألف من خبراء بارعين من المنطقة وخارجها، للنظر في القضايا العامة التي نراها أساسية لشرق أوسط أكثر سلاماً وازدهاراً، وهذه المجموعات هي:
الأمن والنظام العام.
الدين والهوية، ومكافحة التطرف العنيف.
إعادة بناء المجتمعات: اللاجئين والتعافي والمصالحة.
الحكم وعلاقة الدولة بالمجتمع.
التعافي والانتعاش الاقتصادي.
وقد نشرت كل مجموعة من مجموعات العمل الفرعية هذه، خلال عام 2016، ورقة تبين الاستنتاجات والتوصيات كما يراها مقرر مجموعة العمل. ويتأثر هذا التقرير، ولكن ليس على سبيل الحصر، بهذه الأوراق التي أعدها فريق العمل، وبسبب إيماننا القوي بأهمية الاستماع إلى الآراء من المنطقة، تأكدنا من تلقينا لمدخلات منظمة من مجموعة واسعة من الافراد في الشرق الأوسط. ومن وراء مجموعات العمل الخاصة بنا، كان لدينا فريق من كبار المستشارين القادمين من المنطقة ومن أوروبا والولايات المتحدة، وقد تشاورنا بشكل دوري مع سفراء المنطقة المقيمين في واشنطن، وكذلك مع حلفائنا الرئيسيين من الأوروبيين ومع أصدقائنا.
وقد شرعنا أيضاً في رحلة لتقصي الحقائق إلى المنطقة عام 2016، والتي تضمنت زيارات إلى كل من تونس ومصر والأردن والسعودية، بالإضافة إلى زيارات لدول الإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل والضفة الغربية والتي قام بها ستيف هادلي بمفرده، ثم عاد ستيف مرة أخرى إلى الشرق الأوسط في نهاية سبتمبر. وقد التقينا ليس فقط مع رؤساء الدول والوزراء وغيرهم من المسؤولين، ولكن أيضاً مع ممثلين من قطاع الأعمال والجماعات المدنية المحلية والطلاب والشباب، لضمان الاستماع إلى مجموعة واسعة من وجهات النظر.
وفي حين أن مضمون واستنتاجات هذا التقرير التي اُعلن عنها تمت إلى حد كبير من خلال عملية تعاونية، إلا أننا لا نسعى لجعله وثيقة إجماع. وإنها لا تمثل بالضرورة وجهات نظر مستشارينا الكبار أو مقرري فرق عملنا أو أعضائها، أو أي من المسؤولين أو المنظمات أو الأفراد الذين استشرناهم على طول طريق البحث، وبدلاً من ذلك يمثل هذا التقرير أفضل أحكامنا كرئيسين مشاركيْن. ونعتقد نحن أنه يُجْمل نهجاً بناءاً ومدروساً، وقبل كل ذلك، موجهاً نحو إيجاد حلول لهذه المنطقة التي نرى أنها حيوية للمصالح الأمريكية وللأمن العالمي وللرخاء البشري؛ ونحن نعي أن كثيراً مما نقول سوف يكون مثيراً للجدل بالنسبة لكثير من الجمهور الأمريكي. لكننا نعتقد بأن التواصل مع المنطقة يسمح لنا بجلب معلومات جديدة، ومقاربة جديدة للمناقشة العامة حول الشرق الأوسط، والتي أصبحت ضيقة وراسخة على حدٍ سواء، ونحن نأمل في أن النهج التعاوني الذي أكدنا عليه خلال هذا المشروع يمكن أن يكون بمثابة نموذج لحل المشكلة المستقبلية التي تتضمن قضايا معقدة على نحو مماثل.
وقبل كل شيء، نحن نقدم استنتاجاتنا بتواضع شديد، فالقضايا التي تواجهها المنطقة هي من بعض أكثر القضايا التي شهدناها تحدياً وصعوبة، وذلك في أي وقت مضى في مسيرتنا المهنية، وقد استغرقت مجموعات العمل الفرعية وقتاً أطول مما تصورنا، وذلك بسبب التغيرات الدراماتيكية في المنطقة خلال مسار عملنا. وكون الاستراتيجية التي نعدها صعبة، سوف تتطلب أيضاً إلتزاماً مستمراً من جانب الولايات المتحدة والشركاء الدوليين الآخرين عبر خطوط الزمن والإدارات والأحزاب؛ ونحن نعلم أن هذا سيكون أمراً صعباً في حد ذاته في الولايات المتحدة، فلقد تعب الأمريكيون من الحروب في الشرق الأوسط، التي على ما يبدو أنها لا نهاية لها، ولكننا نعتقد أن النهج الذي نحدده سوف يجعل الشرق الأوسط أكثر استقراراً في نهاية المطاف، ونتيجة لذلك، سوف يجعل الولايات المتحدة – والعالم – أكثر أماناً.
الوضع في الشرق الأوسط صعبٌ ولكن التقدم ضروري وممكن. ونحن نأمل أن تكون فرق العمل هذه بمثابة الخطوة الأولى نحو تحسين التعاون الدولي مع شعوب المنطقة لتحقيق إمكاناتهم المذهلة.