الكتاب يعطي المعالم البدائية في السير على طريق البناء ونحو النهضة.
يقول فرانسيس فوكوياما مؤلف الكتاب“إن أجندة بناء الدولة، والتي لا تقل أهمية عن أجندة تقليص دورها، لم تُعط قدرا موازيا من الإهتمام والتفكير، فكانت النتيجة فشل الإصلاحات الإقتصادية الليبرالية في تحقيق الوعود التي قطعتها على نفسها في العديد من دول العالم .
وفي العديد من دول العالم ، أدى غياب الإطار المؤسساتي الملائم إلى ترك تلك الدول في وضع أسوأ مما كان يمكن أن تكون عليه في الواقع بغياب تلك الإصلاحات”.
الكتاب متوفر على الموقع الالكتروني الان يمكنك تحميلة بالنقر على نسخة “بي دي إف” التي يوفرها موقع مركز سام للدراسات الاستراتيجية.
قرآة في الكتاب
سادت (التاتشيرية والريغانية) في الرؤية الغربية لبناء الدولة، منذ بدايات ثمانينيات القرن الماضي، وأصبحت تقود سياسات الغرب تجاه بقية دول العالم، وسعت هذه السياسة إلى تحجيم الدولة وإنهاء دورها الاقتصادي، من اجل شيوع آليات السوق الحر، وسطوة مؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، والتي تتلخص بـ(دولة ضعيفة ومجتمع قوي).
حينها ظهر مصطلح العولمة كغاية تسعى لتحقيق سيادة نظام (اقتصادي، سياسي، فكري) واحد للعالم، لان وجود دولة قوية (قومية، فاشية، اشتراكية، دينية) يعد عائقا أمام انتشار (رأس المال) الباحث عن الاستثمارات الجديدة، وعن الأرض الخصبة للنمو.
ولتحقيق ذلك عملت الرأسمالية وخاصة بعد انهيار جدار برلين وسقوط المعسكر الاشتراكي على محاور عدة لتحقيق هذا الهدف منها:
سياسي: وذلك من خلال الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن، الذي بواسطته يتم التدخل بالشؤون الداخلية للدول (المارقة أو الخارجة عن إرادة العم سام).
اقتصادي: عبر المنظمات الاقتصادية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وبدعوة من أمريكا كـ(البنك الدولي الذي يسيطر على التدفقات المالية بعيدة المدى، وصندوق النقد الدولي الذي يسيطر على السياسات النقدية، والمنظمة العالمية للتجارة التي تنظم التجارة العالمية) حيث من خلال هذه المؤسسات ينتهك حق السيادة للدول، هذا الحق الذي كان سائدا منذ بداية تشكل الدول القومية في أوربا.
وتسوق هذه الأهداف من خلال الإعلام ووسائل الاتصال التي تطورت بشكل كبير بعد النهضة التقنية في نهاية القرن العشرين.
بناء الدولة
يجادل ويحاجج (فوكوياما) في كتابه (بناء الدولة) القضايا هذه، ويؤكد أن الهدف هو بناء الدولة وليس تحجيمها ويعتبرها احد أهم قضايا المجتمع العالمي، نعم يعترف أن الدولة في القرن العشرين كانت أقوى بحيث تعتدي على جيرانها من الدول وعلى شعبها لكنه يرى أيضا أن الدولة الضعيفة أو الفاشلة تبقى مصدر أكثر مشاكل العالم خطورة، خاصة في القرن الواحد والعشرين، ويستند إلى مقولة أساسية (قوة مؤسسات الدولة أكثر أهمية من مدى وظائف الدولة).
إن إمكانية التحول إلى الديمقراطية بحسب رأي فوكوياما (يبقى اشكاليا) لانه يحرك القوة المكبوتة داخل الدولة للحصول على مكاسب (مساعدات حكومية) تقف عائقا أمام الإصلاح الاقتصادي ، الذي يأخذ مدى بعيدا، وهو بذلك سيحرق أي قوة سياسية تحاول إعادة الهيكلة والبناء، بسبب هذه الضغوطات، فالإرادة الشعبية تستمر بالضغط للحصول على دولة الرفاهية، وتحقيق هذه الإصلاحات يتطلب في المراحل الأولى أتباع التقشف، وتقليص الوظائف.
ويقول “بالرغم من معرفتنا الكثير عن شؤون بناء الدولة، فثمة الكثير مما لا نعرفه بعد، خصوصا حول كيفية نقل المؤسسات القوية إلى الدول الضعيفة النامية. إننا نعرف تماما كيفية تحويل الموارد المادية عبر الحدود الدولية، لكن نقل المؤسسات العامة التي تؤدي وظائفها على ما يرام يتطلب ذهنية معينة، ويعمل بطرائق معقدة تقاوم الانتقال من بيئة إلى أخرى، لذلك يتحتم علينا تركيز المزيد من الاهتمام والتفكير والبحث في هذا المجال” ويأتي كتابه ضمن هذا الجهد الذي من خلاله يؤسس لأفكار جريئة تتعارض مع ما هو سائد في السياسة الغربية التي كما ذكرنا سعت وتسعى إلى تحجيم دور الدولة.
ويعد هذا الكتاب (ضرب من المشاكسة والشذوذ عن المألوف) كما يقول فوكوياما، لأنه إبحار عكس التيار، لكن هذا هو فوكوياما، منظر غربي يغرد دائما خارج السرب، لكن ليس من اجل التفرد بل انطلاقا من معطيات التجربة الأمريكية خلال العقد الماضي، وقراءة جديدة لتاريخ الدولة ومؤسساتها، والأيدلوجيات التي تحركها.
وفي هذا الكتاب يؤشر فوكوياما خطا (الليبرتارية) في حملاتها للقضاء على الدولة وتحجيمها ويعده “خطأ جسيما لا بد من تصحيحه”.
يحدد فوكوياما فترة ما بعد (11/أيلول) مرحلة انقلاب ضرورية لبناء الدولة لان استمرار إضعاف الدولة سوف يقود إلى الكوارث والنكبات، فهو يرى ان نهاية الحرب الباردة أدى إلى ظهور (حزام من الدول الفاشلة والمضطربة، يمتد من أوربا إلى جنوب شرق أسيا) وتعتبر هذه الدول مصدر تهديد على النظام الدولي، كونها ارض خصبة للصراعات ويحدث فيها انتهاك صارخ لمبادئ حقوق الإنسان، وبيئات جيدة لنمو الإرهاب.
فرانسيس فوكوياما
كاتب ومفكر أمريكي من أصول يابانية، ولد في مدينة شيكاغو 1952، كان من أنشط منظري (المحافظين الجدد)، لكنه تخلى عنهم وتجاوزهم بأفكاره التي طرحها في كتابيه (أمريكا على مفترق الطرق، ما بعد المحافظين الجدد) وكتابه (بناء الدولة).
ومن كتبه أيضا (الانهيار أو التصدع العظيم) وكتاب (الثقة). خريج جامعة كورنيل (قسم الدراسات الكلاسيكية) وحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هافار.
عمل مستشارا في وزارة الخارجية ومارس التدريس الجامعي، ويعتبر فوكوياما من أهم المفكرين الأمريكيين الذين يؤثرون بشكل واضح في السياسة الأمريكية.