تقود السعودية، حليفة الولايات المتحدة، حرباً ضد المتمرّدين الحوثيين في اليمن. لكن بعد تقريبا خمسة أشهر، لا يزال الحوثيون متمسكون بكثير من المناطق التي سيطروا عليها، بينما تعزز التنظيمات الإرهابية كالقاعدة والدولة الاسلاميّة مواقعها في ظل حرب تدفع بملايين اليمنيين الى حافة المجاعة.
و بينما تدعم الولايات المتحدة بهدوء حلّاً سياسياً، تستمر بتقديم الجزء الأكبر من العتاد العسكري والدعم الاستخباراتي واللوجستي للحرب. لا شك أن إدارة أوباما تواجه خيارات صعبة، فمحادثات النووي مع إيران تسببت في توتر العلاقات السعودية الأمريكية، و كون الصراع في اليمن على حدود المملكة، فإنّ أيّ خلافات بشأن الاحداث في اليمن سيكسبها مزيدا من التوتر. لكن التناقض في المقاربة الأمريكية لن يؤدي إلاّ إلى استمرار الوضع الراهن، مما جرّ اليمن الى دوامة حرب أهليّة تدمّر الدولة وتهدّد أمن شبه الجزيرة. إذا لم تتصرف الولايات المتحدة الآن لوقف هذه الحرب، فانّ تكاليف وقف النزاع والحد من خسائره ستزداد.
لقد أشعل الحوثيين فتيل هذه الحرب بسيطرتهم على صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014 ومن ثم توسّعهم جنوباً وشرقاً، في محاولة لإخضاع اليمن بأكمله لسيطرتهم. إن سهولة سيطرتهم على صنعاء ونجاحهم بطرد حكومة عبد ربه منصور هادي خارج اليمن أعطاهم الانطباع الخاطئ بأن ما من قوة قادرة على الوقوف بطريقهم.
داخلياً، قاومت مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة السياسية والقبلية والعسكرية استيلاء الحوثيين على السلطة؛ فقد قلل الحوثيون من أهمية وضرورة تقاسم السلطة في بيئة اليمن السياسيّة الحزبيّة، كما بالغوا بشدة بمدى جاذبيتهم في الجنوب. ففي المناطق ذات الأغلبيّة الشافعيّة (السنية)، هناك مقاومة قوية من السكان لهيمنة أي جماعة، كالحوثيين، من المرتفعات الشمالية الزيديّة (الشيعية).
لم تتحمل السعودية التقدّم السريع الذي أحرزه الحوثيون، فشرعت المملكة – مع تسعة بلدان معظمھا عربية، في حرب عسكريّة جويّة لتظهر للحوثيين حدود قوّتهم، والأهم من ذلك، إرسال تنبيه لإيران، التي تراها المملكة حليفاً وثيقاً للحوثيين، بأنها لن تسمح لها بتوسيع نطاق نفوذها أكثر مما فعلت. لكن و مع استمرارالعمل العسكري، استنفدت المملكة جميع الأهداف الثابتة القابلة للقصف لتوسّع حملتها العسكريّة بقصف قوات برية متحركة، مما يصعب القيام به تقنيا دون إلحاق أضرار جانبية كبيرة.
لكن حتى مع الانتصارات التي تحقّقها قوات التحالف في الجنوب، فان قوة المتمرّدين تقع في المناطق المرتفعة في الشمال حيث يبدو الحوثيون مستعدّين لحرب طويلة الأمد. في ظل الظروف الراهنة، تبقى الأهداف المعلنة للمملكة والمتمثّلة في القضاء على الحوثيين واعادة سيطرة حكومة هادي على اليمن بأكمله طموحات غير واقعيّة وبعيدة المنال.
خطة بديلة
بدلاً من الدفع نحو انتصار كامل، قد يكون في ذهن السعودية مهمّة أخرى أكثر قابلية للتحقيق تتمثل في إقامة منطقة ذات غالبية سنيّة تابعة لها تستثني المرتفعات الزيدية الشمالية. مع أمل الجنوبيين بقدرة المعارك الجارية على تحرير الجنوب، إضافة إلى وجود قبائل معادية للحوثيين في الشمال تتمتع بالدعم المالي السعودي، يمكن للمملكة العربية السعودية، عمليا أن تقوم بتأمين سيطرتها على مناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، مع إبقاء الحوثيين معزولين في أقصى الشمال حتى ولو شملت تلك المناطق العاصمة صنعاء. من الناحية النظرية، يمكن لمثل هذه المنطقة أن تكون قابلة للحياة من الناحية الاقتصادية، لا سيما إن شملت حقول النفط والغاز في مأرب. مع تقييد الحوثيين في المرتفعات الشمالية، من الممكن أن يتمتع هذا الجنوب الموسع بسيادة ذاتيّة أو بالنهاية، تقييد الحوثيين اكثر واستعادة صنعاء منهم.
قد يكون هذا السيناريو جذاباً للسعوديين، إلاّ أنه على الأرجح سيفتح صندوق باندورا الحافل بمختلف عوامل زعزعة الاستقرار. إن اقامة “شبه دولة” كهذه ستحتاج الى أعداد كبيرة من القوات البرية لإقامة حدود مصطنعة من المرجح أن تُواجه تحدّيات مستمرة من قبل من يرفضونها. المناطق التي يمكن إدراجها داخل “شبه دولة” كهذه هي أيضاً غير متجانسة لا قبلياً ولا سياسيّاً. الحراك الجنوبي الانفصالي، والذي يسعى لاستقلال اليمن الجنوبي الشيوعي سابقاً، سيقاوم على الأرجح أي محاولة لربطه مع مناطق أخرى. كما من المرجح أنّ تقوم الفصائل المنقسمة داخل الحراك نفسه بالانقلاب على بعضها البعض حالما يزول الخطر الحوثي الذي يوحدها حاليّاً. وفي النهايةً، فإن المملكة العربية السعودية ستكون قد ركّزت قوة من المتمرّدين الحوثيين الناقمين على حدودها الجنوبية.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية فإن كلا الخيارين سيعنيان استدامة التورط في المستنقع اليمني، وبغياب سلطة مركزيّة قويّة قادرة على فرض القانون والنظام، ستمنح التنظيمات الارهابية المجال الكافي لترسّخ جذورها وتنمو في مجتمعات تقع تحت سيطرتها، خاصة في الجنوب، ليزداد حجم تهديدها على اليمن والعالم. في الواقع، فإنّ الفوضى العارمة وتصاعد شعور الشباب اليمني بالإحباط سيشكل محفزّاً قويّا لتجنيدهم في أحد التنظيمين الراديكاليين واللذين يتمتعان بسرعة نمو تخطّت ما تستطيع استنزافه هجمات الطائرات بدون طيار.
في غضون ذلك، تتصاعد المعاناة الإنسانية في اليمن لدرجات كارثيّة. لقد أعلنت الأمم المتحدّة دخول اليمن الدرجة الثالثة من حالة الطوارئ لتلتحق بسوريا والعراق وجنوب السودان. كما أنّ منظمة أوكسفام الدوليّة ومنظّمة أطبّاء بلا حدود وهيومن رايتس واتش جميعها وثّقت انتهاكات لقوانين الحرب من قبل الطرفين تتسبب بخسائر بشريّة جسيمة.
إن مصلحة الأمن القومي الأميركي والواجب الأخلاقي يفرضان على الولايات المتحدة التدخل ديبلوماسيّاً، ولكن بصرامة، لوقف القتال. محلياً، لا بد من التوفيق بين الفصائل السياسية والقبلية. بإمكان المبعوث الخاص للأمم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ أحمد، وبدعم قوي من الولايات المتحدة – وبشكل مثالي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن -التوسّط من أجل التوصل إلى حلّ سياسي بين الفصائل المتحاربة في اليمن، وهو الحل الذي تعّرض للعرقلة حتى الآن ليس بسبب تعنّت الحوثيين وحسب، بل أيضا بسبب استمرار دعم كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا الجهود الحربيّة للتحالف. أنّ المكاسب العسكرية التي حقّقها التحالف قد فتحت المجال لتسوية سياسية حقيقيّة حيث أن الحوثيين قدّموا، وللمرة الأولى، تنازلات من خلال جهود الوساطة التي قامت بها الأمم المتحدة في مسقط في 9 آب/اغسطس. على الولايات المتحدة استغلال هذه الفرصة، من خلال الضغط على الحكومة اليمنيّة وداعميها السعوديين للوصول الى حل سياسي يعالج المخاوف الأمنية المشروعة ويخفف من خطر الحوثيين.
لقد دفع اليمن ثمناً باهظاً نتيجة الحرب الباردة الإقليمية بين السعوديّة وإيران. وقد دفعت محادثات الملف النووي السعوديّة اخير للجؤ الى القوة العسكريّة على حدودها الجنوبية، متجاهلة اعتراضات الولايات المتحدة الخجولة (خشية تصاعد استعداء المملكة لها في هذه اللحظة الحساسة).
يشكل الاتفاق النووي أنجازا، ولونظريا، في حد ذاته، الا أنّه على المدى البعيد، سوف يُحكم عليه من خلال ليس فقط قدرته على منع طهران من امتلاك السلاح النووي، بل ومن خلال تأثيره السياسي إقليمياً. اليوم، يوضع هذا الاتفاق على المحك: هل يمكن بدء حقبة جديدة لحل النزاعات في الشرق الأوسط انطلاقا من هذه الاتفاقية، أم أن جهود الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا لم تنجح سوى في الحدّ من قدرات إيران النووية، على حساب مشاكل المنطقة الأخرى؟
*
المقال الأصلي نشر في الاتلانتيك كاونسيل بتاريخ 13 آب/أغسطس