شهدت الأيام الأخيرة من زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة موقفًا فريدًا من نوعه في العلاقات الدولية، بشكل عام، حتى فيما يتعلق بقواعد الدبلوماسية والبروتوكول المتَّبع، أو بشكل خاص فيما يخص العلاقات الأمريكية السعودية، وما كان من حميمية كبيرة في اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الثلاثاء 20 مارس الماضي في العاصمة الأمريكية، واشنطن.
يتعلق الأمر بتصريحات ومواقف شديدة التباين من الحرب في سوريا، والدور الأمريكي فيها، بشكل وصل إلى حد تلاسُن مبطن بين الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الأمريكي، بالرغم من أن اللقاء الذي تم بين بن سلمان، وبين ترامب، أبرز الكثير من الاتفاق في المواقف بين الرياض وواشنطن، وبدا وكأن العاصمتَيْن تعزفان على نغمة واحدة، أو وتر واحد.
إلا أن هذا الوتر بالرغم من أنه قد اتفق على النغمة التي تتعلق بإيران وضرورة محاصرة نفوذها الإقليمي، والاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، وخصوصًا في قطاع التقنية الفائقة والنفط، والتعاون الأمني بين الرياض وواشنطن؛ إلا أن الأمر لم يكن كذلك فيما يتعلق بسوريا، بالذات فيما يتعلق بمسألة سحب/ بقاء القوات الأمريكية هناك.
تزامن هذا التباين الذي ظهر إلى الواجهة فجأة، مع تحولات ميدانية مهمة على الأرض في سوريا لصالح الرئيس السوري بشار الأسد، والجيش السوري؛ حيث بات يسيطر على غالبية أجزاء الغوطة الشرقية، آخر معاقل المعارضة السورية حول دمشق، بعد إنهاء الفصائل المسلحة الرئيسية التي كانت موجودة في الغوطة، لوجودها هناك، عدا “جيش الإسلام” المدعوم من السعودية، في ظل عدم قدرة على المغادرة، أكثر منها عدم رغبة، مع طغيان الخلافات الإقليمية على الواقع الميداني على الأرض، وهو ما ترك أثره على مواقف فصائل المعارضة السورية المسلحة التي يدعمها هذا الطرف أو ذاك.
فالفصائل التي تدعمها تركيا وقطر، ممثلة في “فيلق الرحمن” و”أحرار الشام”، الذراع المسلح للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين في سوريا، ترفض أن يتواجد بينها تنظيم “جيش الإسلام” الذي تدعمه السعودية؛ حيث ذهبت من الغوطة، سواء إلى “عفرين” أو إلى “إدلب” وريف “حلب”؛ حيث السيطرة تركية بالكامل، مع تواجد أمريكي في بعض المناطق.
ويعود ذلك إلى أكثر من سبب؛ الأول هو الخلافات السعودية مع الإخوان وقطر، وتصريحات ولي العهد السعودي في الولايات المتحدة لـ”الواشنطن بوست”، ومجلة “ذي أتلانتيك”، تدل على عمق الأزمة بين الرياض وبين الإخوان، في الوقت الراهن، ولا تقول بإمكان التلاقي في الحرب في سوريا أو في أي ملف آخر، باستثناء الحرب في اليمن؛ حيث قدم الإخوان أنفسهم للرياض وأبوظبي كأداة وظيفية للحرب ضد الحوثيين، لمصالح مشتركة بينهم وبين التحالف العربي.
السبب الثاني؛ هو أن “جيش الإسلام” خاض معارك عنيفة للغاية مع “فيلق الرحمن” في أكثر من مرة في الفترة بين العامَيْن 2015م و2017م، وسيكون من الصعب للغاية أن يتواجد بقواته في أماكن وجود “فيلق الرحمن” وحلفائه من “أحرار الشام”، أو هيئة تحرير الشام، التي تشكل “جبهة النصرة” عمودها الفقري، وتسيطر على غالب إدلب بإشراف تركي.
الغريب في الأمر كذلك، هو ما أعلنته وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” بعد تصريحات ترامب عن قرب سحب قوات بلاده من سوريا، عن بحث إرسال المزيد من القوات إلى سوريا، وهو ما أثار حفيظة الأتراك، بعد يوم واحد من هدوء مفاجئ طرأ على العلاقات المأزومة بين البلدَيْن، بعد أن أشاد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بقرار أمريكي بتجميد أموال كان من المقرر تحويلها إلى الأكراد في سوريا.
وفي هذا الإطار، وفي ظل التعقيد المحيط بما جرى في الولايات المتحدة من تحولات متناقضة في المواقف السعودية الأمريكية إزاء الموضوع السوري، وتعدد القضايا المتصلة بذلك؛ فإن هذه الورقة سوف تحاول فك العقد المحيطة بهذه الأمور، وتربط أطراف الصورة الحالية في سوريا بعضها ببعض، في ظل الضبابية التي رافقت تسارع الأحداث، والتناقض – الظاهري على أقل تقدير – في مواقف الأطراف المختلفة من الصراع في سوريا.