شهدت الفترة الأخيرة العديد من التطورات في السياسات الرسمية السودانية، وبمعنىً أدق، سياسات الرئيس السوداني عمر البشير، في العديد من الملفات والشؤون الداخلية والخارجية، قادت إلى وضع غير مريح بحسب تعبير المحللين السياسيين، بالنسبة للمصالح الحيوية السودانية، في وقت تعاني فيه السودان من الأصل، من مشكلات سياسية وأمنية عديدة.
وبشكل موضوعي بحت؛ فإن غالبية هذه السياسات تتمحور حول مصر والشؤون المرتبطة بالعلاقات المصرية السودانية.
فبشيء من التدقيق؛ يمكننا الوصول إلى هذه النتيجة، فحتى فيما يتعلق بعلاقات السودان الإقليمية، واتجاهات سياساته الخارجية؛ سوف نجد الشأن المصري حاضرًا بقوة.
فلو تأملنا القرارات الأهم والأبرز في السياسة الخارجية السودانية خلال الفترة الأخيرة؛ فإننا سوف نجد البُعد المصري حاكمًا لها، مثل تحسين العلاقات مع قطر، والممانعة السودانية للسياسات المصرية في ملف سد النهضة، وفي ملف حوض النيل بشكل عام، كما بدا في القمة الأخيرة التي عُقدت في أوغندا يوم 22 يونيو، ولم يحضرها الرئيس السوداني عمر البشير، ومنع دخول المنتجات الزراعية المصرية، والتي تشكل 40 بالمائة من صادرات السودان من الحاصلات الزراعية.
ولا يعود ذلك إلى أن البشير – كما يتهمه بعض خصومه في القاهرة أو في غيرها من العواصم العربية – يلعب دورًا وظيفيًّا لحساب الإخوان المسلمين والحكومات الحليفة في المنطقة، وإنما في حقيقة الأمر؛ فإن جانبًا كبيرًا من الأمر يعود إلى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين مصر والسعودية في أبريل من العام 2016م، والتي أقرها مجلس النواب المصري في يونيو 2017، وبمقتضاها تحصل السعودية على السيادة على جزيرتَيْ تيران وصنافير الإستراتيجيتَيْن.
كانت هذه الاتفاقية مفصلاً مهمًّا في تحولات المواقف والسياسات السودانية في العلاقات مع مصر، وبدرجة أقل مع المملكة العربية السعودية.
وتحاول هذه الورقة أن تركز على حزمة السياسات التي تبناها الرئيس السوداني عمر البشير خلال الأشهر الأخيرة، والتي تزامنت مع تطورات إقليمية هي الأهم فيما يتعلق بالدوائر التي يتحرك في إطارها السودان في مجاله الحيوي؛ سعيًا إلى الإجابة على التساؤل الذي طرحته هذه الورقة منذ البداية، وهو هل تفيد سياسات البشير في الإقليم، في معالجة أزمات بلاده، أم أدت إلى تعقيدها.
—————–
*أحمد محمود التلاوي، باحث مصري في شئون التنمية السياسية، وكاتب أساسي في مركز سام للدراسات الإستراتيجية