*أحمد التلاوي:
مهما كان من الحرب الراهنة في اليمن، وأثرها على تفكير وسياسات الأطراف المختلفة للأزمة اليمنية، من اليمن أو من الإقليم؛ إلا أن اعتبارات الرشادة السياسية تقتضي التفكير والتخطيط، ومنذ الآن، في مرحلة ما بعد هذه الحرب، فيما يخص مستقبل الأوضاع السياسية في هذا البلد العربي المهم.
فمنذ الآن، وفي هذه النقطة الزمنية بالتحديد؛ فإن سؤال المستقبل، وكيف سيتم التعامل مع هذا السؤال، ورسم خططه وتوقُّع مآلاته وصيروراته، هو الذي سوف يحدد شكل اليمن، سواء نظامه، أو العلاقات ما بين مختلف مكوناته السياسية والاجتماعية، أو حتى شكل نطاقه الجيوسياسي، بين استمرار الوحدة أو الانفصال.
وللمزيد من التوضيح؛ فإن الترتيبات التي سوف يتم البدء من الآن في وضعها لأجل مستقبل اليمن، سوف تكون هي أهم عوامل رسم مستقبل هذا البلد، فإنه لو تم التخطيط من الآن ليمن موحد توافقي، قائم على أساس المشاركة السياسية والاجتماعية، وتشاركية الثروة والسلطة، وله علاقات مبنية على المصالح المشتركة مع جيرانه، يلعب فيها اليمن دورًا إقليميًّا يتناسب مع تاريخه وأهميته وما يملكه من عوامل تأثير؛ فإن ذلك سوف يساعد كثيرًا في أمرَيْن؛ الأول، هو وقف الحرب بناء على رؤية واضحة تطرحها القيادات اليمنية على شركائها الداخليين، والإقليميين، والثاني، هو تحسين العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية لليمن مع جيرانه في الإقليم، سواء في مجلس التعاون، أو عبر البحر الأحمر في مصر، أو في بلدان المشرق العربي الأخرى التي تربطها مصالح وعلاقات تبادلية مع اليمن.
أما لو تم التقاعُس عن رسم هكذا إستراتيجية، أو وضع تصور آخر مبني على أسس مصالح مجموعات وقوى سياسية دون الأخرى، أو دون مراعاة مصالح الشعب اليمني الشاملة، وطموحاته وتطلعاته في غد أفضل، ومستقبل اليمن كبلد موحد؛ فإن الحرب لن تتوقف؛ فعلى أبسط تقدير؛ كيف سوف تقبل الأطراف الإقليمية بأوضاع غير محددة في اليمن؟!.. وقتها سوف تتعلل الأطراف التي تقود الحرب على اليمن، بأنه بلد منقسم وغير مستقر، ويمثل تهديدًا لجيرانه، في ظل انتشار العناصر الإرهابية، وتواتر أعمال العنف والتفجيرات فيه، وسيطرة قوى “معادية” للسعودية والأطراف الخليجية الأخرى، على نصف اليمن.
ومن هنا؛ فإن هذه الورقة، سوف تحاول وضع معالم محددة لمستقبل اليمن السياسي والاجتماعي، وكيف يمكن الوصول إلى صيغة جديدة للعلاقات الداخلية بين المكوِّن اليمني كافة، وفق أسس واقعية ودستورية، تمهِّد ليمن مستقر يمكنه فرض نفسه إقليميًّا، والمساعدة على وقف الحرب، ودمجه في معادلات الآفاق الجيوسياسية المختلفة التي يطل عليها اليمن، بما فيها الترتيبات الأمنية والسياسية في القرن الأفريقي والخليج العربي على حد سواء.
————–
*أحمد التلاوي باحث مصري في شئون التنمية السياسية، وكاتب أساسي في مركز سام للدراسات الاستراتيجية