في مارس (آذار) الماضي أنهى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عامه الـ82 من العمر، وفي نهاية العام الجاري، يكون قد أتمَّ عامه الـ12 رئيسًا للسلطة الفلسطينية.
وعلى الرغم من أنَّ المجتمع الفلسطيني شاب؛ إذ إنَّ نسبة المسنين فوق الـ60 عامًا لا تتجاوز 4.6%، ما زال عباس في منصبه دون تعيين نائبٍ له؛ وعلى الرغم من أن القانون يخول رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني «البرلمان» أن يتولى مقاليد الحكم في حال غياب رئيس السلطة، إلا أنه و منذ انتخاب أعضاء المجلس التشريعي عام 2006 وهو مُعطَّل، ولعلَّ قيام عباس بتشكيل محكمة دستورية في أبريل/نيسان 2016، دلالة على انعدام الفرصة أمام رئيس البرلمان الفلسطيني عزيز دويك، القيادي في حماس أيضًا، ليحل بدلًا من عباس، وهو الرجل الكهل كذلك.
وبذلك؛ وفي حال وفاة الرئيس عباس سيترك فراغًا كبيرًا في منطقة تعدُّ من أسخن المناطق حول العالم .
في هذا التقرير نحاول أن نرصد أهم السيناريوهات المتوقعة في حال ترك الرجل منصبه فجأة؛ لعارضٍ ألم به سواء بحكم الشيخوخة، أو بحكم استقالة هدد بتقديمها أكثر من مرة، أو بوفاته فجأة في حادث ما يدبره له خصومه.
أولًا: شخصية فتحاوية تسدُّ الفراغ
ثمة شخصيات بارزة هي الأكثر حظًّا في تولي منصب الرئيس بشكل أو بآخر، وتتردد أسماء يدعمها أطراف دولية وإقليمية، وبدون انتخابات ريثما يتم ترتيب صيغة ما، وهي على الترتيب من الأكثر حظًّا:
1- محمد دحلان
وهو قيادي بارز في فتح، ولاعب قوي في المنطقة، وحاصل على أكثر من جنسية غربية، ويعمل في الوقت الراهن مستشارًا لعددٍ من الدول منها الإمارات العربية المتحدة، وصربيا. ولكنَّه على عداوة شخصية مع عباس من جهة، وتعدُّه حركة حماس «المجرم الأول في الشرق الأوسط» وفق ما صرح به القيادي في الحركة زياد الظاظا، في تصريح خصّ به «ساسة بوست«. فيما ما تزال محاولات الإصلاح بين عباس، ودحلان قائمة منذ عام 2011.
2- صائب عريقات
المدعوم من عدة أطراف دولية، لا سيما مع إيمانه العميق بالمفاوضات لحل الصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي، خاصةً بعد تعيينه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الإطار المعترف به كممثل شرعي للشعب الفلسطيني.
3- مروان البرغوثي
: أسير في سجون الاحتلال الاسرائيلي، واحتمالية خروجه في صفقة سياسة أمرٌ وارد، بحسب مراقبين؛ كون البرغوثي المرشح الوحيد الذي قد تلتقي أطراف وأقطاب فتحاوية على تمثيله لحركة فتح؛ وهو أيضًا ليس على خصومة سياسية مع حماس، ويمكن أنْ يشكل ذلك رافدًا لصفقة سياسية محتملة.
4- محمد أشتية
: فرصته أقل وفرة من سابقيه؛ وذلك لتقلده منصبًا قياديًّا حديثًا في حركة فتح؛ حيث يشغل عضو اللجنة المركزية لفتح منذ 2009، وليس له ذاك الدور السياسي؛ غير أن الرئيس عباس يواصلُ تقديمه في عدد من المحافل، كأحد القيادات المحتملة؛ ويرأس الآن صندوقًا فلسطينيًّا للاستثمار والتنمية، الأمر الذي جعله قائدًا مهمًّا للاقتصاد.
5- ماجد فرج
قيادي في الأجهزة الأمنية للسلطة بالضفة الغربية؛ وارتبط ماجد فرج بالمؤسسات الأمنية بما يتناقض مع التوجه الغربي نحو عدم عسكرة السلطة، كما أنه صاحب تصريحات قد لا تكون مقبولة في الشارع الفلسطيني، ومنها ما أعلنها مؤخرًا، حيث أكد أنه أحبط نحو 200 عملية تستهدف الاحتلال الإسرائيلي، واعتقاله لعشرات آخرين، مبررًا ذلك بأنه «حماية للمشروع الوطني».
6- سلام فيَّاض
متهم بفساد مالي بالرغم من طول مدة عمله رئيس وزراء (2007-2013)، ولكنه أيضًا اقتصادي سياسي عمل في صندوق النقد الدولي، وهو مقبول دوليًّا.
ثانيًا:انهيار السلطة في الضفة وعودة الإدارة المدنية
وهو احتمال مرجح كذلك، بحيث تنهار السلطة بعد اختفاء عباس، فتصبح الضفة الغربية عبارة عن بلدية واحدة كبيرة، وهذا السيناريو يعود بالفلسطينيين تدريجيًّا إلى سيطرة الاحتلال الإسرائيلي المباشر عليهم، وضياع أكثر من 20 عامًا عليهم دون جدوى، منذ إنشاء السلطة الفلسطينية، بحسب ما ذكره الكاتب الصحفي عدنان أبو عامر الذي أضاف «ثمة إمكانية لتحويل السلطة الفلسطينيّة إلى كيان خدماتيّ موسّع من دون مضمون سياسيّ، خاصةً من أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال الفلسطينيين، الذين قد تلتقي مصالحهم الاقتصادية مع مصالح إسرائيل السياسية».
,لعل ما يفسر هذا السيناريو ما كتبه الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، كوبي ميخائيل وأودي ديكل حيث تحدثا عمّا يعرف بخطة وزير الخارجية الاسرائيلي، أفيغدور ليبرمان المعروفة بـ«خطة العصا والجزرة» والتي تتمثل في أربع نقاط، وهي:
– تمييز السكان المتورطين بـ«الإرهاب» من غير المتورطين به.
– التعويض الإيجابي للسكان غير المتورطين من خلال تطوير البنى الاقتصادية، وتوسيع إعطاء تصاريح العمل في إسرائيل.
– فرض عقوبات وقيود على المناطق التي خرج منها مهاجمون، وتشهد وقوع حوادث عنف. في إشارة لعمليات الطعن التي تحدث في الضفة بين الفينة والأخرى، ويعرّفها الفلسطينيون بـ «هبة القدس».
– التوجه نحو الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية من دون المرور بالسلطة الفلسطينية، ومن خلال قنوات التنسيق الموجودة.
ثالثًا: انتخابات رئاسية
يؤكد الكاتب الفلسطيني مخلص برزق أن «غياب عباس سيشكل فرصة سانحة لحركة حماس لإتمام التوافق مع قيادات فتحاوية، أبدت رغبة سابقة في إنهاء الانقسام الفلسطيني»، موضحًا أن وجود محمود عباس وهيمنته على القرار الفتحاوي حال دون تحقيق شيء يذكر في هذا الاتجاه، ورجح مخلص نجاح هذه المحاولة، وضرورة الوصول إلى حل توافقي للفراغ القانوني الذي سيتركه عباس؛ وقد تكون الوصفة المثالية هي انتخابات رئاسية يتم من خلالها التوافق على مرشح رئاسي تجمع عليه الفصائل الفلسطينية، وأبرزها حركتا حماس وفتح.
رابعًا: 5 بدائل إسرائيلية
في دراسة لمركز بيجين، حدد 5 سيناريوهات متاحة أمام إسرائيل لخلافة عباس، وكلها غير مثالية أو مشجعة على حد وصف التقرير الذي قال «إنَّ خليفة عباس سيسير فوق الرمال المتحركة».
وتتمثل هذه البدائل في التالي:
– حل الدولتين مع ضرورة حفظ إسرائيل لأمنها، ما يعني بقاء الوضع على ما هو عليه.
– الاستمرار في توسيع البناء الاستيطاني، وقضم المزيد من أراضي الضفة المحتلة، ما يعني استحالة قيام دولة فلسطينية.
– إيجاد بديل لعباس وإسرائيل وفق الدراسة في حيرة حقيقة، لترجيح الشخص المناسب.
– الانسحاب من الضفة، وترك الفلسطينيين في الضفة وشأنهم، وبقاء الأمور على ما هي عليه في غزة من حصار وإغلاق للمعابر.
– السيطرة على مناطق C وهي المناطق التي تخضع لسيطرة مدنية وأمنية إسرائيلية كاملة، ما عدا المدنيين الفلسطينيين.
قد تبدو الأراضي الفلسطينية جغرافيًّا وديموغرافيًّا محدودة، وقد لا تكون ذات تأثير عسكري أو اقتصادي في الساحة الدولية، ولكن الجميع يتفق على أن هذه الجغرافية البسيطة ذات تأثير سياسي كبير، ويتعامل المجتمع الدولي بكافة أقطابه معها بكل قوة وحذر كذلك، وثمة دراسات مستفيضة بعضها مشتركة بين باحثين فلسطينيين وإسرائيليين، تحاول الوصول إلى حل مرضي للطرفين؛ ولكن المشهد بحسب مراقبين يبدو أن «المشكلة تعتبر أكبر من محمود عباس».
——-
المصدر: ساسة بوست